كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

فيالله العجب من التسرع إلي إثبات أحكام الله سبحانه بمجرد الخيالات المختلة والشبه المعتلة.
وأما الاستدلال بأن الكبائر محبطة فلا يصلح للاستدلال به بوجه من الوجوه ولو سلم لكانت محبطة لكل عمل فعل قبلها من أعمال الخير كائنا ما كان فلا ينعقد لفاعل الكبيرة عمل ولا تثبت له طاعة وهذا باطل بالإجماع وليس مراد القائلين بالإحباط إلا إحباط ثواب الطاعات المترتب على فعلها لا شك في هذا.
قوله: "أو ورد الأثر بنقضها كتعمد الكذب والنميمة".
أقول: لم يرد شيء قط في ذلك لا من وجه صحيح ولا حسن ولا ضعيف خفيف الضعف فإثبات مثل هذا الحكم الذي تعم به البلوى بلا شيء من كتاب ولا سنة ولا قياس ولا وجه من وجوه الاستدلال ليس من دأب المتورعين فضلا عن العلماء العاملين.
ومع هذا فإقرار هاتين المعصيتين بالذكر بعد ذكر كل معصية كبيرة ليس على ما ينبغي فإنهما من الكبائر كما دلت على ذلك الأدلة وانطباق حد الكبائر عليهما على اختلاف الاصطلاحات ومثلهما غيبة المسلم.
وأما القهقهة في الصلاة فأشف ما استدلوا به قصة الأعمى التي أخرجها الطبراني في الكبير عن أبي موسى قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس إذا دخل رجل فتردى في حفرة كانت في المسجد وكان في بصره ضرر فضحك كثير من القوم وهم في الصلاة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من ضحك أن يعيدوا الوضوء والصلاة وفي إسناده محمد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أبو جعفر الواسطي الدقيقي قد اختلف فيه حتى قال أبو دأود إنه لم يكن بمحكم العقل ورواه البيهقي عن أبي العالية مرسلا وقال أما هذا فحديث مرسل ومراسيل أبي العالية ليست بشيء كان لا يبالي عمن أخذ حديثه ورواه البيهقي أيضا من طرق ثم قال وهذه الروايات كلها راجعة إلي أبي العالية الرياحي قال الشافعي حديث أبي العالية الرياحي رياح وقال ابن عدي وأكثر ما نقم على أبي العالية هذا الحديث وكل ما رواه غيره فإن مدارهم ورجوعهم إلي أبي العالية والحديث له وبه يعرف ومن أجل هذا الحديث تكلموا في أبي العالية وسائر أحاديثه مستقيمة صالحة انتهى.
وقد جزم جماعة من الحفاظ أنه لم يصح في كون الضحك ينقض الوضوء شيء فليس ها هنا ما يصلح لإثبات أقل حكم من أحكام الشرع.
وقد أخرج البيهقي في سننه من طريق الدارقطني عن أبي موسى أنه كان يصلي بالناس فرأوا شيئا فضحك بعض من كان معه فقال أبو موسى من كان ضحك منكم فليعد الصلاة.
قال البيهقي وكذلك رواه أبو نعيم عن سليمان بن المغيرة وليس في شيء منه أنه أمر بالوضوء.
ثم أخرج عن أبي الزناد قال كان من أدركت من فقهائنا الذين ينتهى إليهم منهم

الصفحة 64