كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

أقول: هذا صواب وقد أخطأ من قال يوجبه الطهر فإن السبب الذي لأجله وجب الغسل هو الحيض لا الطهر ومعلوم أن الطهر لا يكون سببا للتطهر ولا يكون للاغتسال من السبب إلا بعد الفراغ منه وكذلك الوضوء سببه الحدث الموجب له ولا يكون إلا بعد وقوعه وهذا ظاهر لا يخفى.
فما وقع في ضوء النهار من التصويب والاستدلال له ليس على الصواب وهكذا تقرير الأمير في حاشيته على ضوء النهار للتصويب والجزم بأنه الحق ليس كما ينبغي فالسبب الذي أوجب الغسل هو الحيض ولكنه لا يمكن التطهر منه إلا بعد انقضائه كسائر الأسباب.
والحاصل أن الحيض إذا حدث فقد وجد المانع ولا يرتفع إلا بالغسل وهكذا النفاس والوطء فالمانع قد وجد بوجود هذه الاسباب كما أن البول والغائط ونحوهما قد وجد بوجودها المانع من الصلاة ولا يرتفع هذا المانع إلا بالضوء.
وسيأتي الكلام على الحيض والنفاس في باب الحيض إن شاء الله تعالي.
قوله: "والإمناء لشهوة إن تيقنهما أو المنى وظن الشهوة لا العكس".
أقول: لا خلاف في وجوب الغسل بالاحتلام وما يروى عن النخعي من المخالفة في ذلك فما أظنها تصح عنه الرواية ولو صحت لكان قوله مخالفا لإجماع من قبله من المسلمين ومن بعده ولكن الاعتبار هو بوجود الماء أعنى المنى فإذا استيقظ المحتلم ووجد منيا في بدنه أو ثوبه فقد وجب عليه الغسل سواء ذكر أنه حصل ذلك لشهوة أم لا وأما إذا ذكر أنه احتلم لشهوة ولم يجد أثرا للمنى فلا اعتبار بذلك ووجهه ما أخرجه أحمد وأبو دأود والترمذي وابن ماجة من حديث عائشة قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما فقال: "يغتسل" وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل فقال: "لا غسل عليه" [أحد "6/256"، أبو دأود "236"، الترمذي "113"، ابن ماجة 612] ، وهذا الحديث رجاله رجال الصحيح إلا عبد الله بن عمر العمري وفيه مقال خفيف وحديثه يصلح للاحتجاج به.
ويؤيده ما أخرج أحمد والنسائي من حديث خولة بنت حكيم بنحوه وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أم سلمة أن أم سليم قالت يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت قال: "نعم إذا رأت الماء" [البخاري "282"، مسلم "313"] ، فأدار صلى الله عليه وسلم وجوب الغسل على رؤية الماء.
قوله: "وتواري الحسفة في أي فرج".
أقول: للحديث الصحيح "إذا قعد بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل" [البخاري "291"، النسائي "191"، ابن ماجة "610"] ، وهو ثابت من طريق جماعة من الصحابة في الصحيحين وغرهما وإليه ذهب الجمهور من الصحابة ومن بعدهم ولا يعارضه ما ورد من الأحاديث المصرحة بأن "الماء من الماء" [مسلم "81/343"، أبو دأود "217"] ، فإن هذا أعني أنه لا يوجب الغسل إلا الإنزال للماء كان رخصه في أول الإسلام ثم نسخ بما ورد في إيجاب الغسل

الصفحة 67