كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

وأما ما قيل من التعويد والتمرين لهم كما في أمرهم بالصلاة قبل بلوغهم فذلك باب آخر ومن غرائب الأقوال إيجاب الغسل عليهم إذا بلغوا فإن هذا الإيجاب لم يكن له سبب يقتضيه لما قدمنا من أنها لا تنعقد لهم جنابة ولا يتصفون بوصف الاجتناب ما داموا قبل البلوغ والاتفاق كائن على انها لا تتنأولهم الخطابات المشتملة على الأحكام التعبدية فكيف يجب عليهم عند التكليف الغسل لغير سبب شرعي وأما إلزامهم بخطابات الوضع كالجنابات ونحوها فليس ذلك من هذا القبيل فإن ما نحن بصدده لا يقول قائل بأنه من أحكام الوضع ثم يقال لهم إن كان الغسل الأول صحيحا فما وجه إيجاب الغسل عند البلوغ وإن كان غير صحيح فكيف يؤمرون بما لا يصح.
وبالجملة فالتسأهل في إثبات الأحكام الشرعية يأتي بمثل هذه الخرافات ثم قياسهم على كافر أسلم غفلة عظيمة فإن الكافر مخاطب بالشرعيات فأين خطاب الصغار بها ثم لا وجه لإيجاب الغسل على الكافر لأجل اجتنابه حال الكفر فإن الإسلام يجب ما قبله وقد أوجب الشرع عليه الغسل بمجرد الإسلام وذلك تكليف وجب بالإسلام لا بالاجتناب حال الكفر.
[فصل:
"وعلى الرجل الممنى أن يبول قبل الغسل فإن تعذر اغتسل آخر الوقت فقط ومتى بال أعاده لا الصلاة".
"وفروضه مقارنة أوله بنيته لرفع الحدث الأكبر أو فعل ما يترتب عليه فإن تعدد موجبه كفت نية واحدة مطلقا عكس النفلين والفرض والنفل وتصح مشروطة والمضمضة والاستنشاق وعم البدن بإجراء الماء والدلك فإن تعذر فالصب ثم المسح وعلى الرجل نقض الشعر وعلى المرأة في الدمين".
"وندبت هيئته وفعله للجمعة بين فجرها وعصرها وإن لم تقم وللعيدين ولو قبل الفجر ويصلي وإلا أعاده قبلها ويوم عرفة وليالي القدر ولدخول الحرم ومكة والكعبة والمدينة وقبر النبي صلى الله عليه وسلم وبعد الحجامة والحمام وغسل الميت والإسلام"] .
قوله: "وعلى الرجل الممنى أن يبول قبل الغسل".
أقول: هذا تشريع بغير شرع وإيجاب لما لم يوجبه الله ولا رسوله ولا دل عليه دليل صحيح ولا حسن ولا ضعيف والذي رواه بلفظ: "إذا جامع الرجل فلا يغتسل حتى يبول" لم يكن من قول الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من قول أصحابه بل هو كلام مكذوب وباطل موضوع وقياسهم لهذا على بقاء شيء في الرحم من الحيضة إلحاق باطل بباطل وقياس ما لا أصل له على ما لا أصل له.

الصفحة 70