كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

وأما ما أخرجه الدارقطني في الأفراد والخطيب في التلخيص والطبراني في الكبير البيهقي من حديث أنس مرفوعا: "إذا اغتسلت المرأة من حيضها فقضت شعرها نقضا وغسلته بخطمي وأشنان وإن غسلت من الجنابة صبت الماء على رأسها صبا وعصرته" ففي إسناده مسلم بن صبح اليحمدي وهو مجهول وهو غير أبي الضحى مسلم بن صبح المعروف فإنه أخرج له الجماعة كلهم وأيضا اقترانه بالغسل بخطمي وأشنان يدل على عدم الوجوب فإنه لم يقل أحد بوجوب الخطمي والأشنان.
ثم قد وقع في رواية مسلم من حديث أم سلمة أأنقضه للحيض والجنابة؟ فقال: "إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين".
والحاصل أنه لا يجب على الرجل ولا على المرأة نقص الشعر لا في الجنابة ولا في الحيض والنفاس فإيجابه في الجنابة على الرجل دون المرأة ثم إيجابه على المرأة في غسل الحيض والنفاس لم يستند كل ذلك إلي ما يعول عليه كما عرفت.
وأشف ما استدلوا به على وجوب نقض المرأة لرأسها في الحيض هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن عائشة قالت قدمت مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج" [وَأَرْجُلَكُمْ بخاري "317"، مسلم "115/1211"، ابن ماجة "614"] ، واختصاص هذا بالحج لا يقتضي بثبوته غيره لا سيما وللحج مدخلية في مزيد التنظيف ثم اقترانه بالامتشاط الذي لم يوجبه أحد يدل على عدم وجوبه ثم لا يقوم على معارضة ما تقدم.
ومما يدل على اختصاص هذا بالحج ما أخرجه مسلم عن عائشة أنه بلغها أن عبد الله ابن عمرو بن العاص يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن فقالت يا عجبا لابن عمرو بهذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن أفلا أمرهن أن يحلقن رءوسهن لقد كنت اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد فما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات.
وقد جمع بعضهم بين الأحاديث بأن النقض مندوب فقط وجمع بعضهم بأن النقض يتعين إذا لم يصل الماء إلي أصول الشعر إلا بالنقض.
قوله: "وندب هيأته".
أقول: الواجب غسل البدن من قمة الرأس إلي قرار القدم فإذا قد فعل من وجب عليه الغسل ذلك فقد أتى بما عليه لأن ما فعله يصدق عليه مسمى الغسل لغة وشرعا سواء قدم غسل أسفل البدن على أعلاه أو العكس وسواء قدم الميامن على المياسر أو العكس.
ولكنه ينبغي للمغتسل أن يكون اغتساله على الصفة المنقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الهيئة المروية عنه في الأحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيحين وغيرهما المتضمنة تقديم أعضاء الوضوء ثم إفاضة الماء على الرأس ثم على الميامن ثم على المياسر وذلك سنة ثابتة غير واجبة.
قوله: "وللجمعة بين فجرها وعصرها وإن لم تقم".

الصفحة 73