كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

أأهل السنن وغيرهم من حديث أبي ذر وصححه أبو حاتم والحاكم وابن حيان وابن السكن وقال الترمذي هو حديث حسن صحيح وقد أخرجه مسلم أيضا وروي من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح.
وكما في حديث "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" [البخاري "335، 438، 3124"، مسلم "521"] ، وهو في الصحيحين وغيرهما وفي لفظ لمسلم "وتربتها طهورا" [مسلم "4/522"، أحمد "5/383"] ، وقد ثبت اعتبار عدم الماء في السفر بالآية المذكورة فاعتباره في الحضر ثابت بفحوى الخطاب فإن السفر مطنة المشقة والتعب ولهذا شرع الله له قصر الصلاة وترك الصيام مع كون المسافر في الغالب غير عارف بمواطن الماء كما يعرفها الحاضر في وطنه وبلد إقامته.
وأما إيجاب الطلب إلي آخر الوقت فلم يدل عليه دليل لا من كتاب ولا سنة ولا قياس صحيح ولا إجماع.
فإن قلت فما المعتبر في عدم وجود الماء؟.
قلت إذا قام المصلى إلي الصلاة ولم يكن عنده ماء ولا كان قريبا منه يمكنه إدراكه ويصلي الصلاة لوقتها جاز له التيمم لأن الله سبحانه وتعالي ذكر القيام إلي الصلاة فقال: {إذا قُمْتُمْ إلي الصَّلاةِ} [المائد: 6] ثم ذكر بعد ذلك رخصة التيمم مع عدم وجود الماء فالمعتبر عدم حضور الماء عند القيام للصلاة وعدم علم المصلي بوجوده في المواضع القريبة منه وحد القرب أن يمكنه الوصول إلي الماء والتطهر به ويصلي الصلاة لوقتها فمن كان هكذا فهو واجد ومن لم يكن هكذا فهو عادم.
ويدل لهذا حديث أبي سعيد قال خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعادا أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد: "أصبت السنة وأجزأتك صلاتك" وقال الذي توضأ وأعاد: "لك الأجر مرتين" [أبو دأود "338"، النسائي "433 – 434"] ، أخرجه أبو دأود والنسائي.
وهذا الحديث يرد على أن من أوجب الإعادة إذا وجد الماء في الوقت وما ذكره من أنه يجب عليه شراء الماء وقبول هبته فلا بأس بذلك لم أراد أكمل الطهارتين وأما أنه يجب وجوبا شرعيا فلا دليل عليه وإذا لم يجب قبول الهبة فكيف يجب الطلب لها فإن الظاهر تحريم السؤال على كل حال ولهذا عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلي أصحابه ألا يسألوا الناس شيئا حتى كان يسقط سوط أحدهم وهو على راحلته فينزل له ولا يسأل غيره أن ينأوله وذلك ثابت في الصحيح.
وما ذكره المصنف رحمه الله من أن الناسي للماء كالعادم فهو صواب لرفع الخطاب عن الناسي وعدم المؤاخذة له بنسيانه ولا يكلف الإنسان بما لا يعلمه فإذا ذكر بعد فعل الصلاة بالتيمم فقد أجزأته صلاته ولا إعادة عليه كما تقدم في العادم.

الصفحة 81