كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

[فصل
وإنما يتيمم بتراب مباح طاهر منبت يعلق باليد لم يشبه مستعمل أو نحوه كما مر. وفروضه التسمية كالوضوء ومقارنة أولة بنية معينة فلا يتبع الفرض إلا نفله أو ما يترتب على أدائه كالوتر أو شرطه كالخطبة وضرب التراب باليدين ثم مسح الوجه مستكملا كالوضوء ثم أخرى لليدين ثم مسحهما مرتبا كالوضوء ويكفي الراحة الضرب.
وندب ثلاثا وهيأته] .
قوله: "فصل وإنما يتيمم بتراب"
أقول: استدلوا لذلك بقوله سبحانه: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} قالوا الصعيد الطيب هو التراب وهذا هو مسلم فإنه قال في المصباح إن الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره قال الزجاج لا أعلم خلافا بين أهل اللغة في ذلك انتهى وحكى في الكشاف عن الزجاج مثل ذلك.
واستدلوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وتربتها طهورا" [مسلم "4/522"] ، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم وغيره.
ويجاب عنه بأنه من التخصيص بموافق العام فإن مفهوم اللقب لا يخصص به على ما ذهب إليه الجمهور ولكنه يقوى هذا قوله تعالي: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] ، فإنه لا يتيسر المسح ببعض الحجر ولا ببعض الشجر فتعين أن يكون الممسوح به ترابا.
ولا يعارض هذا تيممه صلى الله عليه وسلم من الحائط فإنه لم يرو أنه كان معمورا من الحجر بل الظاهر أنه معمور من الطين وإذا كان كذلك فالضرب فيه لا يبعد ان يعلق باليد من تربته ما له أثر يمسح به ولا سيما وقد أخرج الشافعي أنه حته أي الحائط الذي تيمم منه بعصا وقد أخرج هذه الزيادة البيهقي من طريق الشافعي ثم قال وفي إسنادها يعني هذه الزيادة إبراهيم بن أبي يحيى شيخ الشافعي عن أبي الحويرث وهو متكلم فيهما عن الأعرج عن أبي الصمة وهو يعني الأعرج لم يسمع منه.
ومما يعين التراب ويفيد أنه المراد أن جماعة من أهل اللغة كصاحب القاموس وغيره فسروا الصعيد بالتراب أو بما صعد على وجه الأرض فجعلوا التراب أحد معنيي الصعيد.
والروايات المصرحة بالتراب هي معينة لأحد معنيي الصعيد.
ثم قد ورد ذكر التراب في غير حديث فأخرج أحمد والبيهقي من حديث على مرفوعا بلفظ "وجعل التراب لي طهورا" [أحمد "1/98"] ، وقد حسن إسناده في مجمع الزوائد وكذلك الحافظ ابن حجر في الفتح وصححه السيوطي.
وقد كان التيمم في زمن النبوة بالتراب لا يعرف غير ذلك فالتعويل على ما هو محتمل من اللفظ لا ينبغي لمصنف.

الصفحة 82