كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

المؤمن أن ينجو بنفسه ويفر بدينه إن تمكن من ذلك ووجد أرضا خالية عن التظاهر لمعاصي الله وعدم التناكر على فاعلها فإن لم يجد فليس في الإمكان أحسن مما كان وعليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه كما أرشد إلى ذلك الصادق المصدوق فيما صح عنه وإذا قدر على أن يغلق على نفسه بابه ويضرب بينه وبين العصاة حجابه
كان ذلك من أقل ما يجب عليه وقد أوضحت أمر الهجرة وما هو باق منها وما قد نسخ في شرحي للمنتقى فليرجع إليه.
وأما ما ذكره المصنف من إثبات دار الفسق تقليدا لمن شذ من المعتزلة فلا وجه لذلك أصلا ولا تتعلق به فائدة قط وإن زعم ذلك من لم يكن مستبصرا.
واما قوله: "إلا خلى عما هاجر لأجله" فوجهه ظاهر لأن الانتقال من شر إلى شر ومن دار عصاة إلى دار عصاة ليس فيه إلا إتعاب النفس بقطع المفاوز فإن كان التظاهر بالمعاصي في غير بلده أقل مما هو ببلده كان ذلك وجها للهجرة وفي الشر خيار.
وأما قوله: "إلا لمصلحة" فوجهه ظاهر فإنها إن كانت المصلحة العائدة على طائفة من المسلمين ببقائه ظاهرة كأن يكون له مدخل في بعض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو في تعليمه معالم الخير بحيث يكون ذلك راجحا على هجرته وفراره بدينه فإنه يجب عليه ترك الهجرة رعاية لهذه المصلحة الراجحة لأن هذه المصلحة الحاصله له بالهجرة على الخصوص تصير مفسدة بالنسبة إلى المصلحة المرجوة بتركه للهجرة.
وأما كون الهجرة تتضيق بأمر الإمام بها فوجهه ما قدمنا من وجوب طاعة الأئمة فيما يأمرون به من الطاعة والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة جدا.
[فصل
والردة باعتقاد أو فعل أو زي أو لفظ كفري وإن لم يعتقد معناه إلا حاكيا أو مكرها ومنها السجود لغير الله وبها تبين الزوجة وإن تاب لكن ترثه إن مات أو لحق في العدة وباللحوق في تعتق أم ولده ومن الثلث مدبرة ويرثه ورثته المسلمون فإن عاد رد له ما لم يستهلك حسا أو حكما.
وحكمهم أن يقتل مكلفهم إن لم يسلم ولا تغنم أموالهم ولا يملكون علينا إلا ذوي شوكة وعقودهم قبل اللحوق لغو في القرب وصحيحة في غيرها موقوفة وتلغو بعده إلا الاستيلاد ولا تسقط بها الحقوق ويحكم لمن حمل به في الإسلام به وفي الكفر به ويسترق ولد الولد وفي الولد تردد والصبي مسلم بإسلام أحد أبويه وبكونه

الصفحة 977