كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

استثناه القرآن الكريم بقوله: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} [النحل: 106] ، وكفى به.
وأما قوله: "ومنها السجود لغير الله" فلا بد من تقييده بأن يكون سجوده هذا قاصدا لربوبية من سجد له فإنه بهذا السجود قد أشرك بالله عزوجل وأثبت معه آلاها آخر وأما إذا لم يقصد إلا مجرد التعظيم كما يقع كثيرا لمن دخل على ملوك الأعاجم أنه يقبل الأرض تعظيما له فليس هذا من الكفر في شيء وقد علم كل من كان من الأعلام أن التكفير بالإلزام من أعظم مزالق الأقدام فمن أراد المخاطرة بدينه فعلى نفسه تجنى براقش.
قوله: "وبها تبين الزوجة".
أقول: وجه ذلك اختلاف الملتين وقد جاءت الأدلة من الكتاب والسنة بما يدل على ذلك على تفصيل في ذلك قد تقدم في النكاح عند قول المصنف وينفسخ بتجدد اختلاف الملتين فليرجع إليه.
وأما قوله: "لكن يرثه صاحبه إن مات أو لحق" فالظاهر أن مال المرتد باق على ملكه ولم يرد ما يدل على أنه يخرج عن ملكه بمجرد الردة فإن مات كان ماله لمن يستحق ميراثه في حال كفره وإن لحق بدار الحرب صار له مال كأموال أهل دار أهل الحرب في الإباحة ومن زعم أن ماله يخرج عن ملكه بمجرد الردة من غير لحوق فعليه الدليل.
وأما كونها تعتق أم ولده ومدبرة فوجهه ظاهر لأنه قد أوقع سبب عتقها في حال إسلامه فاستحاق تنجيز ذلك.
وأما كونه يرثه ورثته المسلمون فلا أعرف لهذا وجها ولا أجد عليه دليلا والأدلة مصرحة بأنه لا توارث بين مسلم وكافر على العموم ولا يصلح للتخصيص إلا دليل تقوم به الحجة ولا حجة فيما يروى عن بعض الصحابة فإن ذلك محمول على الاجتهاد واجتهاد الصحابي لا يخصص ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجماع المسلمين.
وأما قوله: "فإن عاد رد ما لم يستهلك حسا أو حكما" فلا وجه لهذا الرد فقد خرج المال عن ملكه باللحوق فإن كان قد ثبتت عليه يد أحد المسلمين فقد استحقه وصار ملكا له فلا ينزع عنه إلا بوجه يوجب رفع ما دخل به في ملكه وأما إذا عاد المرتد إلى الإسلام قبل لحوقه فقد عرفناك أن ماله باق على ملكه فمن أتلف شيئا منه ضمنه وما كان باقيا فهو باق على ملكه.
قوله: "وحكمهم أن يقتل مكلفهم إن لم يسلم".
أقول: وجهه ما أخرجه البخاري "6/149"، وأحمد "1/217، 282"، وأهل السنن أبو داود "4351"، الترمذي "1458"، النسائي "7/104"، ابن ماجة "2535"، من حديث ابن عباس بلفظ: "من بدل دينه فاقتلوه"، وما في الصحيحين [البخاري "12/268"، مسلم "1733"] ، من حديث أبي موسى في بعض المرتدين أنه قال: لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله ومن أدلة قتل المرتد حديث: "لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث"، وقد تقدم وفي الباب أحاديث وقتل المرتد إن لم يرجع إلى الإسلام مجمع عليه ويؤيد هذا قوله عزوجل: {وَمَنْ

الصفحة 979