كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آلا عمران: 58] ، فإن مقتضى هذه الآية أنه لا يقبل منه إلا الإسلام فإن لم يفعل قتل لأنه لو ترك مرتدا لكان قبل قبل منه غير دين الإسلام ولا فرق بين الذكر والأنثى لعموم قوله ومن يبتغ وقوله من بدل دينه ولم يثبت ما يدل على تخصيص الإناث.
واما قوله: "ولا تغنم أموالهم" فقد عرفناك مما قدمنا أنها قبل اللحوق باقية في ملكهم وبعد اللحوق يصير فيئا لمن يسبق إليهم.
وأما قوله: "ولا يملكون علينا" إلخ فقد قدمنا أن أهل الحرب لا يملكون علينا والمرتدون مع اللحوق حكمهم حكمهم.
وأما قوله: "وعقودهم قبل اللحوق لغو في القرب" فوجه ذلك أنه صار بالردة كافرا قبل لحوقه ولا قربة لكافر.
وأما قوله: "صحيحة في غيرها موقوفة" فلا وجه لقوله موقوفة لأن ماله باق على ملكه قبل لحوقه فيصح منه كل تصرف فيه.
وأما قوله: "فيلغو بعده" فصحيح لأن ماله قد خرج عن ملكه باللحوق.
وأما قوله: "إلا الاستيلاد" فمراد المصنف أنه إذا كان قد استولد أمة له قبل أن يرتد فإن هذا لا يلغي لأنه قد فعل السبب مسلما فلا وجه لإلغائه وقد أغنى عنه ما تقدم من قوله: "وباللحوق تعتق أم ولد".
قوله: "ولا يسقط بها الحقوق".
أقول: الحقوق الثابتة عن المرتد من دين أو نحوه باقية في ذمته وهي باقية في ملك مالكها فلا يجوز الحكم عليه بأنها قد خرجت عن ملكه بارتداد من هي عليه لأن المرتد وإن فارق دينه فهو لم يتخلص مما هو عليه بوجه يقتضي السقوط فيدفع ذلك من ماله الذي تركه ببلاد الإسلام فإن لم يكن له مال كان لمن له الحق مطالبته به متى ظفر به.
قوله: "ويحكم لمن حمل به في الإسلام به" الخ.
أقول: لا فرق بين من حمل به في الإسلام ومن حمل به في الكفر أنهما يولدان على الإسلام لما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء"، ثم يقول أبو هريرة: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الآية فالمولود من الكفار مطلقا يولد على الفطرة الإسلامية حتى يعرب عنه لسانه فإن كفر فأبواه هما اللذان كفراه وقد أخرج أحمد عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فإن أعرب عنه لسانه فإما شاكرا وإما كفورا".
وأما قوله: "ويسترق ولد الولد" الخ فلا وجه له بل هذاالولد الذي حمل به في الإسلام

الصفحة 980