كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

يدل بفحوى الخطاب على تجنب القدح في دينه بأي قادح فكيف إخراجه عن الملة الإسلامية إلى الملة الكفرية فإن هذه جناية لا تعدلها جناية وجرأة لا تماثلها جرأة وأين هذا المجترىء على تكفير أخيه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وهو ثابت في الصحيح [البخاري "13"، مسلم "45"] ، ومن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه في الصحيح [مسلم "32/2564"، أيضا: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه"، ومن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه في الصحيح أيضا: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"، ومن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام"، وهو أيضا في الصحيح وكم يعاد العاد من الأحاديث الصحيحة والآيات القرآنية والهداية بيد الله عزوجل: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] .
[فصل
وعلى كل مكلف مسلم الأمر بما علمه معروفا والنهي عما علمه منكرا ولو بالقتل إن ظن التأثير والتضيق ولم يؤد إلى مثله أو أنكر منه أو تلفه أو عضو منه أو مال مجحف فيقبح غالبا ولا يخشن إن كفى اللين ولا في مختلف فيه على من هو مذهبه ولا غير ولي على صغير بالإضرار إلا عن إضرار] .
قوله: "فصل: ويجب على كل مكلف الأمر بما علمه معروفا والنهي عما علمه منكرا".
أقول: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما العمادان العظيمان من أعمدة هذا الدين والركنان الكبيران من أركانه ولا يتسع لما ورد في ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة النبوية إلا مؤلف مستقل وهو مجمع على وجوبهما إحماعا من سابق هذه الأمة ولاحقها لا يعلم في ذلك خلاف وإنما وقع الخلاف بينهم في قيود قيدوا بها هذا الوجوب وسيأتي الكلام عليها.
وإذا عرفت هذا كان كل مسلم يجب عليه إذا رأى منكرا أن يغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهور كون هذا الشيء منكرا يحصل بكونه مخالفا لكتاب الله سبحانه أو لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو لإجماع المسلمين ثم إذا كان قادرا على تغييره بيده كان ذلك فرضا عليه ولو بالمقاتلة وهو إن قتل فشهيد وإن قتل فاعل المنكر فبالحق والشرع قتله ولكنه يقدم الموعظة بالقول اللين فإن لم يؤثر ذلك جاء بالقول الخشن فإن لم يؤثر ذلك انتقل إلى التغيير باليد ثم المقاتلة إن لم يمكن التغيير إلا بها فإن كان غير قادر على الإنكار باليد أنكر باللسان فقط وذلك فرضه فإن لم يستطع الإنكار باللسان

الصفحة 982