كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

قوله: "ولا في مختلف فيه على من هو مذهبه".
أقول: هذه المقالة قد صارت أعظم ذريعة إلى سد باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما بالمثابة التي عرفناك والمنزلة التي بيناها لك وقد وجب بإيجاب الله عزوجل وبإيجاب رسوله صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة الأمر بما هو معروف من معروفات الشرع والنهي عما هو منكر من منكراته ومعيار ذلك الكتاب والسنة فعلى كل مسلم أن يأمر بما وجده فيهما أو في أحدهما معروفا وينهي عما هو فيهما أو في أحدهما منكرا وإن قال قائل من أهل العلم بما يخالف ذلك فقوله منكر يجب إنكاره عليه أولاثم على العامل به ثانيا وهذه الشريعة الشريفة التي أمرنا بالأمر بمعروفها والنهي عن منكرها هي هذه الموجودة في الكتاب والسنة وأما ما حدث من المذاهب فليست بشرائع مستجدة ولا هي شرائع ناسخة لما جاء به خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وإنما هي بدع ابتدعت وحوادل في الإسلام حدثت فما كان فيها موافقا للشرع الثابت في الكتاب والسنة فقد سبق إليه الكتاب والسنة وما كان منها مخالفا للكتاب والسنة فهو رد على قائله مضروب به في وجهه كما جاءت بذلك الأدلة الصحيحة التي منها: "كل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد" فالواجب على من علم بهذه الشريعة ولديه حقيقة من معروفها ومنكرها أن يأمر بما علمه معروفا وينهى عما علمه منكرا فالحق لا يتغير حكمه ولا يسقط وجوب العمل به والأمر بفعله والإنكار على من خالفه بمجرد قول قائل أو اجتهاد مجتهد أو ابتداع مبتدع.
فإن قال تارك الواجب أو فاعل المنكر قد قال بهذا فلان أو ذهب إليه فلان أجاب عليه بأن الله لم يأمرنا باتباع فلانك بل قال لنا في كتابه العزيز: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] ، فإن لم يقنع بهذا حاكمه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما أمرنا الله سبحانه في كتابه بالرد إليهما عند التنازع.
قوله: "ولا غير ولي على صغير بالإضرار إلا لإضرار".
أقول: وجه هذا أن قلم التكليف مرفوع عن الصغير فإذا رآه يعمل معصية من المعاصي فتلك إنما هي معصية بالنسبة إلى المكلفين لا إلى من لا تكليف عليه لكنه يحول بينه وبينها لأنه إذا اعتاد الإقدام عليها قبل التكليف هان عليه مقارنتها بعد التكليف والولي أقدم من غيره ثم أهل الولايات ثم سائر الناس وأما إذا أقدم الصغير والمجنون على بدن الغير أو على ماله وجب علينا الدفع عنه لأن بدنه وماله معصومان بعصمة الإسلام وترك الصبي أو المجنون يفعلان ذلك منكر لا بالنسبة إليهما بل بالنسبة إلينا ونحن مأمورون بإنكار المنكر بل يجب ذلك علينا ولو كان فاعله من غير بني آدم فإن الدابة إذا أقدمت على بدن المسلم أو ماله كان حقا علينا أن ندفعها عنه ونحول بينها وبينه حفظا لحرمته وحرمة ماله وقياما بما أوجب الله له علينا فإن لم يندفع الصبي أو المجنون أو الدابة إلا بالإضرار بهم كان ذلك واجبا علينا.

الصفحة 984