كتاب بيان العلم الأصيل والمزاحم الدخيل

وقال بشر بن الحارث: كان العلماء مَوْصوفون بثلاثة أشياء، صدق اللسان وطيب المطعم وكثرة الزهد في الدنيا، وأنا لا أعرف اليوم واحداً من هؤلاء فيه واحدة من هذه الخصال فكيف أعْبَأُ بهم أوْ أبُشُّ في وجوههم، وكيف يَدّعي هؤلاء العلم وهم يتغايرون على الدنيا ويتحاسدون عليها ويجرحون أقرانهم عند الأمراء ويغتابونهم.
كل ذلك خوفاً أن يميلوا إلى غيرهم بِسُحْتِهِمْ وحطامهم، وَيْحكم ياعلماء أنتم ورثة الأنبياء وإنما ورّثوكم العلم فحملتموه ورغبتم عن العمل به وجعلتم علمكم حِرْفه تكسبون بها معاشكم أفلا تخافون أن تكونوا أول من تسعّر به النار؟
أنظر قوله: وجعلتم علمكم حرفة تكسبون بها معاشكم، أفلا تخافون أن تكونوا أول من تُسعّر به النار وتأمل وقتنا وكيف صار العلم فيه حِرْفة يُكسب بها المعاش.
قال ذو النون المصري: ولولا نقص دخل على أهل الحديث والفقه لكانوا أفضل الناس في زمانهم.
ألا تراهم بذلوا علمهم لأهل الدنيا يستجلبون به دنياهم فحجبوهم وأنكروا عليهم وافتتنوا بالدنيا لِما رَأوْا من حِرص أهل الحديث والمتفقهن عليها فخانوا الله ورسوله، وصار إثم كل من اتبعهم في عنقهم، جعلوا العلم فخّاً للدنيا وسلاحاً يكسبون به بعد أن كان سراجاً للدين يُسْتضاء

الصفحة 17