كتاب الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور

يكن المؤلف عارفاً بعلم التصريف. مثال ذلك إذا أراد المؤلف أن يبني من وزن (فعل) المعتل فاؤه بالواو مستقبلا. فإن كان جاهلاً بذلك قال في وعد (يوعد) قياساً على الصحيح في ضرب (يضرب) وإن كان عالماً به حذف الواو، لوقوعها بين ياء وكسره، فقال وعد (يعد). وكذلك إذا أراد أن يبني من وزن (فعل) أو وزن (فعل) المعتلي الفاء بالواو مستقبلا. فإنه إن كان جاهلاً ذلك، وكان قد سمع بعض العلماء، يقول في وعد (يعد) حمل (فعل وفعل) على ذلك الأسلوب فقال (وجل يجل) وفي (وضوء يضوء). وإذا كان عارفاً بمعني الأمر في ذلك لم يحذف الفاء في مستقبل (فعل وفعل) بل يقول (وجل يوجل) و (وضوء يوضؤ). وكثيراً ما يقع الخطأ في تصريف الكلام المعتل، من الماضي إلى المستقبل، وهو موضوع من العربية وعر المسلك، فينبغي لمؤلف الكلام مراعاته والاعتناء به، وأمثال هذا كثير فاعرفها.
وأما الإدغام وقولك: إن المؤلف لا يحتاج إلى معرفته، واستدلالك عليه بما ذكرته من المثال، وهو قولك: (مررت برجل ضف الحال). فإن ذلك لا يسلم إلا في هذه الصورة، وما يجري مجراها، في نقل الألفاظ على هيأتها، ومن شرط الأمثلة أن تكون شائعة في جنسها. ولنضرب لذلك مثالاً، كيف اتفق، فنقول: إذا قال النحوي في تعريف الحال (إنها هيأة الفاعل أو المفعول وهي نكرة منصوبة مشتقة، أو في تقدير المشتقة، تأتي بعد معرفة، ويحسن تقدير (في) معها وسؤال (كيف) ثم مثل ذلك بقولة: (جاء زيد راكباً). فلا يجوز أن يكون هذا المثال غير مطرد في جنسه، لأنه لو لم يكن مطرداً في جنسه لما جاز أن يجعل مثالاً لما تقدمه من هذه المصادر، وكذلك هذا المثال الذي مثلت به ما ادعيته في الإدغام فإنه ليس بشائع
في جنسه. وبيان ذلك أنا نقول: قد ورد عن بعضهم هذان البيتان وهما:
اذهبي في كلاءة الرحمن ... أنت مني في ذمةٍ وأمان
ترْهبيني والجيدُ منك لليلى ... والحشا والبُغامُ والعينان

الصفحة 12