كتاب الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور
القطب الأول في الأشياء العامة
الفن الأول في ما يجب على مؤلف الكلام الابتداء به
الباب الأول من الفن الأول من القطب الأول
آلات التأليف
اعلم أن صناعة تأليف الكلام، من المنثور والمنظوم، تحتاج إلى أسباب كثيرة، وآلات جمة، وذلك بعد أن يركب الله تعالى في الإنسان الطبع القابل لذلك، المجيب إليه، فإنه متى لم يكن ثم طبع لم تفد تلك الآلات شيئاً البتة. فمثل الطبع كمثل النار الكامنة في الزناد، ومثل الآلات كمثل الحراق والحديدة التي يقدح بها، ألا ترى إنه إذا لم يكن في الزناد نار لا يفيد ذلك الحراق ولا تلك الحديدة شيئاً، إلا أن الطباع القابلة للعلوم مختلفة الأنحاء؛ فمنها ما يكون قابلاً لعلم الأدب كالنحو والتصريف وغيرهما، ومنها ما يكون قابلا للعلوم الدينية كأصول الفقه وأصول الدين وما جرى هذا المجرى، ومنها ما يكون قابلا لغير ذلك كالعلم الرياضي؛ كالحساب والهندسة، ومنها ما يكون قابلا لغير ذلك، كالصنائع والحرف. وقد يوجد في الطباع ما يكون قابلا لجميع العلوم. ومن أدل دليل على اختلاف الطباع وتباينها أنا نرى مؤلف الكلام يكون تارة مؤلفاً مطلقاً، ونعني بالمطلق أن يكون عارفا بصناعة المنظوم من الكلام والمنثور؛ ويكون مؤلفاً غبر مطلق، ونعني بغير المطلق إنه يكون عارفاً بأحد هذين القسمين دون الآخر، وهو مع ذلك عالم بجميع آلات التأليف نظماً ونثراً، كما هو المؤلف المطلق ولا فرق. فإذا ركب الله في
الإنسان الطبع القابل لمعرفة تأليف الكلام على الإطلاق فيحتاج حينئذ إلى تحصيل الآلات التي يخرج بها ما في القوة إلى الفعل. وتنحصر آلات التأليف في قسمين:
الصفحة 6
338