كتاب فكرة الإفريقية الآسيوية
نصف قرن أن تضع لها حلاً مؤثراً، إنما تنتج عن هذه السيطرة الأوروبية العليا على الشؤون الإنسانية. فموطن الأزمة موجود في الضمير الأوروبي نفسه، في علاقته بالمأساة الإنسانية.
وهذا يعود إلى القول بأن الأزمة تتصل بتفسير المشكلات أكثر من اتصالها بطبيعة هذه المشكلات. فهي ليست أزمة في الوسائل، وإنما في الأفكار.
وينبغي على أي سياسة- لكي تكون فعالة- أن تكيف وسائلها تبعاً لبعض المفاهيم الإنسانية.
ولكن أوروبا التي استطاعت خلال قرنين من الزمان أن تتحكم في موارد العالم كله، قد وضعت هذه الموارد تحت تصرف النظام الأوروبي فحسب، محتكرة بذلك- من أجل فائدتها وحدها- الحرية والسلام والعمل، فلقد أحدثت في العالم المتحضر تفرقة بين الأخلاق والسياسة، ثم كانت هذه التفرقة بين الرجل الأبيض والرجل الملون.
وهكذا خصص الغرب نظرته بالنسبة إلى المبادئ كما خصصها بالنسبة إلى الرجال، فإذا بنظرته إلى ما هو أوروبي تختلف عما ليس كذلك، فهو يرى بصورة طبيعية مشكلات أوروبا ورجالها، أما حين ينظر إلى مشكلات الشعوب الأخرى، أو حين ينظر إلى هذه الشعوب نفسها فإنه يضع نظارة على عينيه، وإذا بهذه النظرة غير المباشرة لا تتصل بقيم الأخلاق أو بقيم السياسة، وإنما ببعض ما يشبه من قريب جمعية جرامونت ( Société Gramont) التي أنشئت في فرنسا من أجل الرفق بالحيوان.
ولقد تمثلت هذه التفرقة في بعض الأحداث المعاصرة في الحياة الدولية، حيث اعتمدت سياسة أمريكا في نهاية الحرب الأخيرة مشروع إرسال مارشال- للشعوب الغربية، كيما تعين هذه الشعوب على النهوض بعد التحرر. واعتمدت لهم أخلاقها المن والسلوى في مشروع ( U.N.R.W.A) لإسعافهم مؤقتاً، فكأنها بهذا قد اعتمدت لهم الحرية والعمل والخبز، أو الوسائل الضرورية لكسبها. وفي
الصفحة 22
271