كتاب فكرة الإفريقية الآسيوية

من أشكال الشر هو: الاستعمار، هذا شيء لا ينازع فيه من الوجهة التاريخية، ولكن التحليل يقضي بأن نذهب إلى الإطار النفسي والأخلاقي، وسنرى في الحال أن المشكلة تثرى بعناصر جديدة وتفسير جديد.
فالواقع أن الوعي الإسلامي قد وجد نفسه ملزماً بأن يجاهد فردياً وجماعياً ضد الشر أو المنكر، وهو يجد تبريره الجوهري ودافعه في قوله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 3/ 110]، ولكن الصراع التاريخي الأخير ضد المنكر في إفريقية الشمالية تحت راية حركة إصلاحية- الإصلاح- يرجع تاريخه إلى القرن الثاني عشر، أي إلى حركة الموحدين، فلعل انطلاق الوعي الإسلامي قد توقف من ذلك الحين لكي يستأنف نشاطه تحت راية الاصلاح الحالي، في شكل النشاط المضاد للاستعمار.
فيجب أن نكتب تاريخين 1125م-1925م، التاريخ الذي بدأ فيه ابن تومرت تبليغ دعوته في مراكش، والتاريخ الذي شرع فيه ابن باديس في قسنطينة. ولنتساءل عن سبب صمت الوعي الإسلامي وعدم اكتراثه فيما بين هذين التاريخين. أعني خلال ثمانية قرون؟ ولكن هذا السؤال يودي بنا بعيداً قطعاً، إذ لا ينبغي أن نتساءل: لماذا استمر صمت الضمير الإسلامي دهراً طويلاً؟ بل يكفينا أن نتساءل: كيف ولماذا انقطع هذا الصمت منذ خمسة وعشرين عاماً؟
إن المشكلة لم تعد ذات طابع تاريخي بل نفسي وأخلافي. فالوعي الذي بدأ مرة أخرى يتكلم بتأثير ابن باديس في إفريقية الشمالية كان غنياً بتجربة حاسمة قطعاً، ولكنه كان أيضاً غنياً بذاتية جديدة، فالحقيقة النفسية تكمل هنا الحقيقة التاريخية، التي ربما تبقى دون ذلك جزئياً في الظلام، أو تظل غير مفهومة، وعلى ذلك فالنفسية المسلمة الجديدة لا يمكن أن تتضح في ذاتها إلا إذا اعتبرنا الثروات الذاتية التي استمدت وعيها من غرين الحضارة الغربية، والواقع أن هذه الظاهرة ليست خاصة بالعالم الإسلامي، فهي تتجلى أيضاً في ((نهضة)) الهند حيث ثارت

الصفحة 260