كتاب فكرة الإفريقية الآسيوية

السياسية، وفي ألوان نشاطه العقلي والفني والاجتماعي. فالمقاييس، وطرائق السلوك والتفكير لا تكف عن التقارب على محور طنجة - جاكرتا، ومحور واشنطن - موسكو.
على أن أوروبا لم تخلق عن قصد هذه الحالة العالمية، ولكن توسعها الاستعماري قد ساهم في ذلك بقوة مع عبقريتها الصناعية فتأثيرها قد رسم بطابعه كل شيء حتى الميادين التي لا يتوقع فيها، مثل ميدان النشاط المعادي للاستعمار. ونحن نجد ذلك أولاً في القوة الفكرية التي أمدت هذا النشاط، فلقد اقتبست الشعوب المستعمرة إلى جانب عناصر الفلسفات الفكرية التي استمدتها من ثقافاتها الخاصة، اقتبست علاوة على ذلك من ثقافة أوروبا ومن تجربتها الاجتماعية والسياسية عناصر أخرى لا يمكن إغفالها، ثم إن النشاط المعادي للاستعمار قد كان في صفوفه كثير من الأوروبيين الشرفاء رجالاً ونساء، كانوا رائديه ومؤيديه ومستشاريه. وقد ظفرت الوطنية المصرية بمدام جولييت آدم التي كانت الأم الغربية لمصطفى كامل ((باشا))، ونجد أيضاً أن من أوائل ثلاميذ المهاتما غاندي، وهو الذي كان يمثل الوطنية الهندية، بعض الإنجليز الذين كانوا أرشد مشيريه، وأخلص خادميه، ولسنا نستطيع أن ننسى في تاريخ هذه الحركة أسماء: بيرسون ( Pearson) وأندروس ( Andrews) كما أننا لا نستطيع أن ننسى اسم رومان رولاند ( Remain Rolland) في دراسته عن (إشعاع الغاندية) فلو أننا وصفنا تاريخ القرن العشرين حيث نعتبر الغاندية تياراً جوهرياً في فكر هذا القرن، فيجب أن نذكر رومان رولاند، لا باعتباره مجرد داع من دعاة هذا الفكر، ولكن باعتباره أحد أساتذته وزعمائه، فإنه لم يعرف الغرب بغاندي فحسب، حين بلغ إليه رسالته، بل إنه قد عمق هذه الرسالة أحياناً ووسع أفقها، لقد كان يعمقها كلما بدا له من الضروري أن ينفخ فيها من روح فيفي كاناندا ( Vive Kananda)، تلك الروح الإنسانية التي كانت تنعدم في بعض الظروف لدى غاندي، حيث كانت تصرفه عنها الطهارة الصارمة، وتلفته نزعات تفوق الآدمية عن الشعور بنواحي الضعف الآدمي، وعن إدراكه.

الصفحة 266