كتاب سوس العالمة

لفصيح ثعلب، وربَّما يُحاول بعضهم حفظ ذلك المثلث كله، ثُم ينفرد كل فريق أو أفراد بكل ما تناوله أيديهم من وراء هذا أيّا كان، وهم يعتنون بِحفظ المقامات الحريرية مع استحضار كل ما كان في شرحها للشريشي، ولا يُمكن أن تَجد من نُجبائهم من لَم يكن حفظ منها فيهم إلا تَحلة القسم، كما لا يُمكن أن تَجد منهم من لا يَحفظ كثيرا من نوادر الأبيات والأمثال العربية، فيدور ذلك في مُحاوراتِهم وفي أسْمارهم، فتجد رسائلهم مشحونة بذلك، حتى رسائل بلدانهم ومُحاورات أشباه العامة من متطلبتهم، وهذا كله شائع ذائع عنهم حتى ليعابون من الجامدين على الفقه وحده بِهذا اللهج الشديد بِهذه الناحية؛ كما عَابَ الأستاذ الرفاكي الإلغيين بذلك عن حسن نية، ولكن لسان حالِهم يُجيبهم بِهذا البيت:
ذاك الذي تكرهون مني ... هو الذي يشتهيه قلبِي
أمَّا مَجالات أدبياتِهم؛ فإنَّها كما تعتني بالقافية تعتني أيضا بالترسل، فبين أيدينا الآن عشرات وعشرات من رسائلهم بينها ما فيه براعة فائقة، ولا أثلج للصدر من رسائل كان طلبة المدارس في عنفوان هذه النهضة يتراشقون بِها بينهم عتابا أو موادة أو مساجلة، وهي طويلة مسجعة مفعمة بالأبيات اللطيفة والأمثال الحكيمة، وقد دارت بين الطلبة المتأدبين في مدرسة إلغ وبين مدارس بومروان وإفران وأداي وإغشَّان وتَانَالْت وبونعمان وإيغيلالن رسائل من هذا النوع الذي يرمون فيه إلى الترسل الأندلسي الجميل، وأمَّا قوافيهم فإنَّها تطرق غالبا المديح، والرِّثاء، والإخوانيات، والمجاذبات، والجناب النبوي، والتشكي من الدهر، والعتاب، والهجو، وقلما نقف منها على خلاف هذه الأنواع، كما وصل إليه تتبعنا لذلك متقصين (1).
هذا الذي نصف به هذه النهضة يدخل فيه كله البونعمانيون والأدوزيون والإفرانيون والإلغيون، ثم يسري ذلك إلى مدارس أخرى تريد أن تتشبه بِهذه؛ كمدرسة (تاهَالا) حين كان المانوزي وطبقته من تلاميذ (الأسَكاري) يتشبهون بالإلغيين في الأدب، فنبغ بذلك المانوزي، وما ذلك إلا لأن لِهذه النهضة تأثيرا كثيرا شاملا مَجرور الذيل، حتى لينحاش فيها إلى الأدب من ليس في العير ولا في النفير، بل وقفنا على بعض
__________
(1) في تراجمهم في (المعسول) سيق كل ذلك سوقًا يكاد لا يبقى ولا يذر إلا ما لا يمكن أن يساق لإسفافه.

الصفحة 102