كتاب سوس العالمة

آثار هذا الطور للفقيه إبراهيم الظريفي الصوابي، وابنه مُحمد بن إبراهيم الولتيتي، ومُحمد بن أحمد بن إبراهيم الهوزيوي المتخرجين من تَمْجرت، وأحْمَد الجرسيفي المفتي، وعبد الواسع التِّركتي التملي، وأحمد بن عبد الله الماسجِّيني المتخرج من فاس، وأحْمَد بن إبراهيم الركني المتخرج من هناك أيضا، وإبراهيم بن عبد الله الأقاوي، وموسى بن أحمد الودريمي المتخرج من الْحَمراء، وعبد الله الأزاريفي (1) ما يدل على أنه لا يزال هناك بصيص يتراءى هنا وهناك -خصوصا ما قرأناه في ديوان مُحمد الهوزيوي المتقدم مِما قاله في الخليفة عبد السلام ابن سيدي مُحمد بن عبد الله مَمدوحه من قواف تَختلف قيمها، وتتفاوت ألوانَها، على المعهود من الأدب التامكروتي غالبا، مما يدل على ضعف كثير من قائله لتأثر من إلى تامكروت بالتصوف؛ ولذلك نرى في هذه الآثار نفسها ما يدل على ما قضينا به على شعر أبناء تلك الزاوية، فإن في كلام بعضهم ما يدل على أن اعتبار هذا الفن والميل إليه، واعتباره كعلم شريف، وفن له روعته قد انقطعَ إذ ذاك، يوجد هذا في مفتتح شرح العبدونية (2) للوديمي، كما يوجد في رسالة من أحمد بن عبد الله الماسجيني إلى الأمير المولى سيدي مُحمد بن عبد الله، وقد رفع إليه القصيدة الدالية (3)، كما ينادي بلسان الحال غالب هذه الآثار وروحها بأن غالبها -لا كلها- منسوج عن تكلف كثيف، فقلما يقع فيها الناظر على انسجام بيان تقبله الأذواق، ويستسيغه الأديب قار العين، مثلوج الفؤاد، ولا ريب أن ذلك إنَّما يقع من عدم المحاككة التي لا تكون إلا في المحافل الأدبية، لا في مَجالس الزوايا ولا في حلقات الفقهاء الأقحاح، على أن مَحافل الآداب مقفلة في هذا العهد بسوس، وربّما في المغرب كله، إلا عند أفراد قليلين جدّا، ثُم إن لِهذه الآثار اختلافا بيِّنا في المنازع، كما كان أصحابُها كذلك، فقد يتراءى من بعضهم أن له في الأدب يدا طولى في الوقت الذي تكون فيه بنات فكره من جهة أخرى تفضحه، فهذا أحمد الجرسيفي في رسالته (4) التي أجاب بِها الفاسي، قد تَمطى فيها تَمطيا حتى ليظن منه أنه ذو قريحة سيالة في القوافي، وأنَها تطاوعه كما طاوعه يراعه في ذلك الجواب المنثور إلى حد له غاية مغبوطة، مع أنه ذو نظم اطلعنا على بعضه (5) فوجدناه نظم فقيه مزجى البضاعة حتى
__________
(1) آثار هؤلاء كلهم توجد بعضها في (مترعات الكؤوس) وبعضها في (المعسول).
(2) في كتاب: (مترعات الكؤوس).
(3) سترى أمامك القصيدة كلها.
(4) المعسول في (الفصل الثاني) من (القسم الرابع).
(5) يوجد بعضه في المجموعة الأدبية التي كنا أودعناها ما تقممناه من نفايات الأدبيات وغيرها وسميناها: (مجوف الفرا) وهي في جزئين.

الصفحة 82