كتاب سوس العالمة

وما الخيل إلا كالصديق قليلة ... وإن كثرت في عين من لا يَجرب
إذا لَم تشاهد غير حسن شياتِها ... وأعضائِها فالْحُسن عنك مَغيب
ومنظومته هذه التي رأيناها خالية من روعة الأسلوب، ولطف المعنى، وقد يُحاول أن يعلو فتعوزه قوة الضليع المتمكن، وأمَّا أحمد بن إبراهيم فلا بأس بِما يقوله، وكان أريج (وادي الجواهر) الذي كان يتمتع به برهة، قد عاد عليه بروح تزوره أحيانا، وقد رأينا له قوافي لَم يعجبنا منها إلا بعض ما رفعه للمولى سيدي مُحمد بن عبد الله، وعندنا أيضا قواف لِمحمد بن إبراهيم الولتيتي، ولإبراهيم الظريفي أبيه، ولكلامهما تشابه، ويرمي ما اطلعنا عليه لَهُما من تغزل إلى نَحو ما لدى ابن أبي ربيعة، وإن كان ما لَهُما يغلب عليه التصنع، وكأن أدب تامجرت إذ ذاك يَميل إلى اختيار الشعر الرقيق على الشعر الجزل، ولكن الضعف يغلب عليه.
هذه نظرات عجلى على ما يقوله من وقفنا لَهم على آثار في زمن الفترة هذه، فإنَّها جهود فردية، وأقوالَهم من فورات وقتية؛ لإعواز النوادي الأدبية غاليا، وهي التي تشحذ الأفكار، وتنصب موازين القسط، فلا غرابة أن لَمسنا في مَجموع ذلك ضعفا غير قليل، وبذلك يصح حكمنا على هذه الفترة بأن الأدب السوسي فيها قد تراجع كثيرا جدّا، حتى لا نَجد بين المتخرجين فيه ذا يد جوالة غالية الوشي، جامعة بين العلم والفن، وبين السمو به إلى المثل العليا أن نزع بالقافية، فإن كان لنا أن نَختار من هذه الفترة سوسيّا نقدمه للعالِم الأدبي المغربي العام فلا نَجد نظيرا للماسجيني، ولكن هذا فيما يرجع إلى البيان العملي، وأمَّا إن أردنا أن نَجعل موضوع نظرتنا معرفة علم هذا الفن؛ فإننا نَجد أفرادا كالجرسيفي والودريمي خريج (ابن يوسف) الفذ، ثُم لا يُمكن لنا أن نشمل بِحكمنا كل الدراسة السوسية الخاصة والعامة، المجلسية والفردية في الحكم بعدم الاعتناء بِهذا الفن عمليّا غاية الاعتناء، فإننا إن أطلقنا هذا الحكم هكذا مُجازفون بلا شك، وإلا فمن أين تضلع الجرسيفي صاحب الرد على الفاسي ذلك التضلع حتى استحضر كثيرا من أشعار حلها نثرا في رسالته. ومن أمثال شتى وشحها بِها توشيحا، حتى أمكن له أن يقف كموقف ابن زيدون، يوم يكتب رسالته المشهورة عن ولادة إلى ابن عبدوس، وبين رسالة الجرسيفي وبين الرسالة الزيدونية تشابه كثير، وإن كان ما بين الرسالتين هو ما بين صاحبيهما.
وختاما نقول -ونَحن نَحمد الله على أن وفقنا للإنصاف: إن الأدب السوسي في هذا الدور إن نظرنا إليه نظرة الباحث عن آثار تصلح للنفاق في

الصفحة 84