كتاب سوس العالمة

سوق الأدب العام، ضئيل جدّا، حتى يكاد ينمحي لولا بقايا هنا وهناك، وإن نظرنا إليه نظرة الذي ينظر إليه كأثر لانتشار اللغة وعلومها؛ فإنه لا يزال موجودا، يدرس دراسة جافة قليلة من غير عناية خاصة به؛ فلذلك لَم تؤتِ أكلها كما ينبغي، فإن أردنا أن نتطلب علة لِهذا الفتور، زيادة على ما ذكرناه من فقدان التشجيع؛ نَجدها متجسمة في التصوف الناصري الغالب على المدرسة السوسية في هذا العهد، والأدب وأريحيته، والتصوف وتَجهمه إن تربى بِهما إنسان من صغره، لن يقترنا أبد الا بدين في نسق واحد (1)، هذا مع أن لِهذه المدرسة الناصرية التي ذكرناها وجعلناها علة فتور الأدب في سوس، وجهة أخرى في مدرستها بتامجروت إلى الأدب، أوَلَم يأتك أن أحد علماء تامجروت وهو يوسف بن مُحمد من أهل هذا العهد وما إليه، كان يَحفظ جل ديوان أبي فراس؟ أوَلَم يأتك أن أكثر الذين يصدرون عن تامجروت يكون بينهم أدباء؛ كاليوسي، والتجموعتي، والمكي صاحب الرحلة، والأديب الشفشاوني، والكنسوسي ونظرائهم، ولكن هذه الوجهة إن كانت هناك صاحبة نتائج، كما رأيناه في أشعار المكي الناصري نَحو أواسط القرن الثاني عشر وقبله بقليل، لا تكون غالبا في الاتساع والامتداد حتى يُمكن أن تُمازج كل من يأخذ من تامجروت من السوسيين إلا قليلين؛ كإبراهيم الظريفي، وابنه مُحمد الولتيتي المتقدمين، ومُحمد الهوزيوي.
كان لشيخ سوس وعلامته المتبوع مُحمد الحضيجي ازورار عن كل ما لا يَجمع القلب على الله، أفننتظر منه أن يَبتهل بالأدب، وبعلوم الأدب، غاية الابتهال، أم نترقب منه أن يؤسس لَنا نهضة أدبية، أو يُحاول إنعاشها؟ إن هذا طلب الأبلق العقوق، أو بيض الأنوق (2)، وكما يكون المتبوعون يكون التابعون، حتى يأتي من بينهم من يقدر أن يشق الطريق، ويهتك السجاف، فيأتي بنمط جديد سنة الله، ولن تَجد لسنة الله تبديلا، وهذا هو الذي وقع بين أتباع الحضيجي، فكما كان متبوعهم كانوا أيضا، تأثروا به، غير أنه نَجم من بينهم من التفتوا التفاتات إلى هذه الوجهة، حتى كان ما سنذكره في الطور الثالث إن شاء الله، فلنعرض على القارئ ما نراه يصلح، مما لا يزول معه الرضا من القراء عن الأدب السوسي. حتى في هذا الطور الذي
__________
(1) من هنا نظن أن ابن الفارض والبرعي وأمثالهما من شعراء الصوفية المفلقين، قد حصلوا الأدب وتمكنوا فيه قبل أن يتصوفوا أو كانوا من الشذاذ في ذلك.
(2) الإبلق العقوق: أي الفرس الذكر الحامل: والأنوق بفتح أوله: الرخمة ولا تضع بيضها إلا في قنن الأجيال، وهذا المثل من قول القائل:
طلب الإبلق العقوق فلما ... لم يجده أراد بيض الأنوق

الصفحة 85