كتاب الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام

بمبلغ إِلَى معنى خَالق وَالْعرب الَّذين تكلم هَذَا السَّائِل بكلامهم وتعاطى مَفْهُوم خطابهم لَا يَتَكَلَّمُونَ بَالغ فِي معنى الْخَالِق لتباين اللَّفْظَيْنِ وإختلاف المفهومين وَمعنى الْخلق الْمَشْهُور عِنْدهم إختراع مَا لم يكن والإبلاغ هُوَ أَيْضا لَهُ كَائِن إِلَى غَايَة مَا فَإِن أنكر هَذَا الْمُتَكَلّم أَن يكون أَرَادَ هَذَا فقد شهد على نَفسه بالغلط واعترف بِأَن كَلَامه من أرذل أرذل السقط
ثمَّ أضَاف بَالغ إِلَى القوى والقوى جمع قُوَّة وَهِي الْقُدْرَة والشدة فَإِن كنت تُرِيدُ هَذَا فَأَي فَائِدَة للفظك وَأي لَطِيفَة لِقَوْلِك الَّتِي فطرنا عَلَيْهَا وَفِي الثيران والأباعير وَالْحمير من هُوَ أَشد مِنْك وَأقوى فقد فَضلهَا عَلَيْك حَيْثُ أبلغهَا من الشدَّة أَكثر مِمَّا أبلغك
وَلَقَد كَانَ يَنْبَغِي لَك يَا هَذَا أَن تذكر من نعم الله عَلَيْك النِّعْمَة الْخَاصَّة بالإنسان وَهُوَ الْمَعْنى الَّذِي بِهِ تميز عَن أَصْنَاف الْحَيَوَان ثمَّ من عَجِيب أَمر هَذَا السَّائِل وأدل دَلِيل على بلادته وجهله أَن هَذِه الْخطْبَة الَّتِي صدر بهَا كِتَابه على مَا هِيَ عَلَيْهِ من تثبيج النّظم وَعدم الفصاحة إِنَّمَا نقلهَا من رِسَالَة عبد الرَّحْمَن بن عصن ختن شبيب الَّتِي كَانَ أساقفة النَّصَارَى كتبُوا بهَا إِلَى الإِمَام الزَّاهِد أبي مَرْوَان بن ميسرَة ونسبوها لعبد الرَّحْمَن وَكَانُوا قد اجْتَمعُوا على كتَابَتهَا بطليطلة أَعَادَهَا الله فَلَمَّا كتبوها بعثوا بهَا إِلَى القَاضِي أبي مَرْوَان بن ميسرَة فَبعد أَن بذلوا جدهم وأجهدوا جهدهمْ كتبُوا لَهُ رِسَالَة مفتتحها هَذِه الْخطْبَة فِي بطاقة صَغِيرَة عدد أسطارها نَحْو ثَلَاثِينَ لحنوا فِيهَا وصحفوا فِي تِسْعَة وَعشْرين موضعا مِنْهَا وَمَعَ ذَلِك فأخلوا بالْكلَام وَلم يتَحَصَّل لَهُم من سُؤَالهمْ مطلب وَلَا مرام فأجابهم الإِمَام القَاضِي رَحمَه الله وَأحسن فِي الْجَواب وَأظْهر لَهُم جهلهم وتبلدهم فِي ذَلِك الْكتاب
فَلَو كَانَ هَذَا السَّائِل عَارِفًا بمصالحه مُمَيّزا بَين محاسنه ومقابحه لاكتفى بإفحام أساقفته الْمُتَقَدّمَة وعثرته الجاهلة المضممة ولكان يستر ظَاهر خطاياهم وركيك كَلَامهم وَلَكِن أَرَادَ الله تَجْدِيد مَا قدم لَهُم من الفضيحة بمقالة صابية صَحِيحَة ثمَّ ليته إِذْ نقل إِلَى كِتَابه كَلَامهم لم يُفَسر الْمَعْنى وَلم يُغير اللَّفْظ بل غَيره تغييرا يدل على عدم الهجاء وَقلة الْحِفْظ فَقَالَ الحمدلله بَالغ القوى وَهِي فِي كِتَابهمْ الْمُتَقَدّم الذّكر الَّذِي نقل مِنْهُ الحمدلله بألغ القوى وَبَين مَفْهُوم كَلَامه

الصفحة 49