كتاب الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام

سَمعك واستعن ملاك جمعك فَإِنِّي أَسأَلك وإياهم عَن حد الإسم وَحَقِيقَته وَهل هُوَ الْمُسَمّى أَو غَيره فَإِن كَانَ غَيره فَمَا حد الإسم وَمَا حد الْمُسَمّى وَمَا حد التَّسْمِيَة ثمَّ هَل يَنْقَسِم الإسم بِالْإِضَافَة إِلَى الْمُسَمّى أم لَا يَنْقَسِم فَإِن انقسم فعلى كم قسم وَإِنَّمَا أوردت عَلَيْهِ هَذِه الأسئلة كَيْلا لَهُ بضَاعَة وليكون ذَلِك أبلغ فِي دَفعه وأقطع لنزاعه ثمَّ إِنَّه أضَاف أَسمَاء إِلَى أَفعَال الله وَلَا يشك عَاقل فاهم فِي أَن أَفعَال الله تَعَالَى إِنَّمَا يُرَاد بهَا مخلوقاته ومخلوقاته وخليقته وَاحِد فِي الْمَعْنى فَكَأَنَّهُ قَالَ على مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهر كَلَامه وَإِنَّمَا نقع على أَسمَاء مخلوقاته فِي مخلوقاته فأبدل لفظ مخلوقاته بأفعاله وَهَذَا كَلَام قَلِيل العائدة بل عديم الْفَائِدَة ثمَّ أَسمَاء أَفعاله إِنَّمَا هِيَ عبارَة عَن الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على أَفعاله وأفعاله كَمَا قُلْنَا مخلوقاته كَلَفْظِ السَّمَاء وَالْأَرْض وَغير ذَلِك فَمن عرف الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على هَذِه الْمَخْلُوقَات أَي شَيْء يحصل لَهُ بِسَبَبِهَا من معرفَة الله تَعَالَى وَأي دلَالَة وَأي نِسْبَة بَين معرفَة اللَّفْظ الَّذِي يدل على السَّمَاء فِي التخاطب مثلا وَبَين معرفَة الله تَعَالَى وَهل قَوْله هَذَا إِلَّا هذيان من القَوْل وارتباك فِي ورطة الْجَهْل
وأا قَوْله وتدبيره فِي ربوبيته فَالظَّاهِر من لفظ التَّدْبِير السَّابِق مِنْهُ إِلَى الْفَهم أَنه عبارَة عَن التفكر النَّفْسِيّ وَالتَّقْدِير الذهْنِي والباري سُبْحَانَهُ متعال عَن التَّدْبِير الَّذِي هُوَ التفكر وَالتَّقْدِير فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر إِلَّا فِي حق من جهل شَيْئا فَأَرَادَ أَن يسْتَعْمل فكرة فِي تَحْصِيل الْعلم بِهِ وَالْجهل على الله محَال فالتدبير بِمَعْنى الْفِكر عَلَيْهِ محَال فَإِن أَرَادَ السَّائِل بِكَلَامِهِ غير هَذَا فَلَا بُد من بَيَانه وإيضاح برهانه
وَأما الربوبية فَلفظ مُشْتَقّ من لفظ الرب والرب فِي مُسْتَعْمل كَلَام الْعَرَب لَهُ مَعْنيانِ مستعملان أَحدهمَا السَّيِّد وَالثَّانِي الْمَالِك فَإِن أَرَادَ بِهِ الْمَعْنى الأول الَّذِي يرجع إِلَى السؤدد والشرف فَهُوَ خطأ من حَيْثُ أَن سؤدده وَاجِب لَهُ فَلَا يحْتَاج فِي تَحْصِيله إِلَى سَبَب من تَدْبِير وَلَا مُقْتَضى تفكير وَمُقْتَضى كَلَامه وَمَفْهُومه أَنه دبر فِي ربوبيته وأوجدها عَن تَدْبيره لنَفسِهِ وَهَذَا جهل بواح وَكفر صراح وَإِن أَرَادَ بِهِ الْمَعْنى الثَّانِي الَّذِي يرجع مَعْنَاهُ إِلَى الْملك فَلَا يَسْتَقِيم أَيْضا على ظَاهر كَلَامه فَإِنَّهُ يكون معنى كَلَامه أَنه دبر فِي ملكه وأوجده

الصفحة 53