كتاب الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام

ثمَّ أنتجت النتيجة قبل ذكر الْمُقدمَات فَصَارَ لذَلِك كلامك من أرك الترهات فَقلت فِيهَا فيتبين آب وَابْن وروح الْقُدس ثَالِثا وَهَذَا كَلَام مختل نَاقص مشوب بِالْفَسَادِ غير خَالص وَإِنَّمَا كَانَ صَوَابه أَن يَقُول فيتبين أَنه آب وَابْن ثمَّ قلت ثَالِثا بِالنّصب بخطك ضَبطه مشعرا بأنك أعربته بل بالإتفاق كتبته وَلم تشعر بأنك قلبته وَأما قَوْلك إِن الْمَسِيح لما بعث الحواريين إِلَى جَمِيع الْأَجْنَاس فكلاما نقلته مُدعيًا أَنَّك رويته وَنحن يجب علينا أَن نتوقف فِي أخباركم وَلَا نقطع بتصديقكم وَلَا بأكذابكم بل نقُول مَا أمرنَا بِهِ الرَّسُول وبلغنا على أَلْسِنَة النقلَة الْعُدُول آمنا بِاللَّه وَرُسُله فَإِن صَدقْتُمْ لم نكذبكم وَإِن كَذبْتُمْ لم نصدقكم وَمَعَ تَسْلِيم ذك جدلا فَلَا بُد أَن نباحثكم فِيمَا نقلتم ونتفقه فِيمَا حكيتم
فَنَقُول ظَاهر قَوْلك هَذَا يفهم مِنْهُ أَن رِسَالَة عِيسَى كَانَت عَامَّة لجَمِيع الْأَجْنَاس وَلَيْسَ الْأَمر على مَا زعمتم وَسَيَأْتِي الْكَلَام على هَذَا فِي بَاب النبوات وَكَذَا الْكَلَام على المعمودية وَمَا يلْزم عَلَيْهَا يأتى فِي بَاب الْكَلَام على أحكامهم إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَأما استدلالاته على اعْتِقَاد وجوب الآب والإبن وَالروح الْقُدس وَإِطْلَاق القَوْل بذلك بِمَا قَالَه عِيسَى للحواريين فَلَا حجَّة لَك فِيهِ إِذْ لَيْسَ بِنَصّ قَاطع بل هُوَ مِمَّا تَقولُونَ أَنْتُم فِيهِ متشابه فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن يكون مُرَاده بِهِ عمدوهم على تَركهم هَذَا القَوْل كَمَا يَقُول الْقَائِل كل على اسْم الله وامش على اسْم الله أَي على بركَة اسْم الله وَلم يعين الآب والإبن من هما وَلَا مَا الْمَعْنى المُرَاد بهما فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْأَبِ هُنَا الْملك الَّذِي نفخ فِي مَرْيَم أمه الرّوح إِذْ نفخه سَبَب علوق أمه وحبلها بِهِ وَأَرَادَ بالإبن نَفسه إِذْ خلقه الله تَعَالَى من نفخة الْملك فالنفخة لَهُ بِمَثَابَة النُّطْفَة فِي حق غَيره

الصفحة 64