كتاب مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم

وإما أن تعتبر منفصلة عنه، والنظام الجديد دين ودولة، أو هو دولة قائمة على أساس الدين، والدخول في هذا النظام له ناحيتان:
بالنسبة للوثنيين من العرب يجب عليهم أن يعتنقوا الإسلام كمظهر لدخولهم في النظام الجديد وإقرارهم بالوحدة العربية.
وبالنسبة لأهل الكتاب من اليهود والنصارى، يجب أن يعلنوا ارتباطهم بالدولة الجديدة عن طريق الخضوع لها ودفع الجزية، والجزية ضريبة مالية يدفعها الرجال البالغون القادرون على الكسب ويعفى منها النساء والأطفال على أن تقوم الدولة بكفالة الحماية لهؤلاء لناس وإعطائهم حقوق الرعية، وتنفيذ القانون عليهم، مع إعفائهم من الخدمة العسكرية، وقد استمر هذا النظام بعد ذلك بالنسبة للبلاد التي فتحها المسلمون والتي كان أهلها يدينون بدين كتابي.
ولتحقيق ضم هذه الفئة القليلة التي أشرنا إليها وتحديد موقفها، أصدر النبي -صلى الله عليه وسلم- في نهاية العام التاسع للهجرة بيانًا عُرِف ببيان براءة، وكان هذا البيان وحيًا، ولم يكن من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنه جاء من آيات قرآنية في صورة من سور القرآن الكريم وهي سورة التوبة، وقد بدئت بكلمة: براءة فسمي هذا البيان "بيان براءة" وقد أذاعه النبي -صلى الله عليه وسلم- في مناسبة عامة يحضرها العرب من كافة أنحاء الجزيرة العربية، وفي يوم مشهود هو يوم الحج الأكبر، حيث اجتمع الحجيج كلهم في صعيد واحد عند جبل عرفات، وكان على الحج في هذا العام أبو بكر الصديق، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل مندوبًا خاصًّا هو علي بن أبي طالب، وإرسال علي لهذا الغرض يعطي أهمية خاصة للموضوع، إذ إنه يعتبر مندوبًا خاصًّا لإذاعة حالة خاصة، ولم يُكَلَّف بذلك أبو بكر حتى لا يعتبر البيان مندرجًا في حالة عامة هي حالة الحج، ثم إن البيان كان نبذًا لعهود بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين بعض القبائل، وكان العرف يقضي بأن يقوم بنبذ صاحب العهد نفسه أو رجل من عصبته شديد القرابة به؛ ولذلك أرسل عليًّا لتلاوة هذا البيان وإعلان الناس به.

الصفحة 418