كتاب تفسير العثيمين: ص

يقول المؤلف: [إنه محذوف، وتقديره ما الأمر كما قال كفار مكة من تعدّد الآلهة] وحسب هذا التقدير يكون جواب القسم جملة منفية: ما الأمر كما قال كفار مكة من تعدّد الآلهة، لكن الأمر أن الإله واحد، وهو الله، وهذا التقدير الذي ذكره المؤلف لا يتعيَّن، يعني لو قال قائل: التقدير والقرآن ذي الذكر إن إلهكم لواحد. لو قال قائل هكذا، حصل به ما حصل من قول المؤلف: ما الأمر كما قال كفار مكة من تعدد الآلهة.
وذهب بعض العلماء إلى أن مثل هذا القسم لا يحتاج إلى جواب؛ لأن جوابه معلوم منه كقوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (١) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} [القيامة: ١ - ٣]، وقوله تعالى: {وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: ١ - ٥]، جواب القسم محذوف، فيكون المُقْسَم به متضمناً للجواب، كيف يكون متضمناً للجواب في هذه الجملة القسمية {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ}؟ يعني أنكم قد ذُكِّرتم بهذا القرآن الذي من جملة ما ذَكَّر به أن الله واحد، ولهذا ذهب ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "التبيان في أقسام القرآن" إلى أن القسم أحياناً لا يحتاج إلى ذكر الجواب، بل ولا يحتاج إلى تقديره؛ لأنه يعلم من السياق المُقْسَم عليه.
قال الله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (٢)} بَلِ: هنا للإضراب، والإضراب نوعان: إبطالي وانتقالي، فالإبطالي إبطال لما قد سبق كأنه مسحه وأتى ببدله، والانتقالي إقرار لما سبق لكن انتقل من شيء إلى آخر، وما قبل هذا الإضراب يبقى كما هو لا يبطل.

الصفحة 15