كتاب تفسير العثيمين: ص

القاعدة عندنا في التفسير متى كان اللفظ صالحاً لمعنيين فأكثر فإنه يحمل عليهما جميعاً. وعلى هذا يكون (نادوا) محذوف المفعول من أجل العموم، أي: أن بعضهم ينادي بعضاً: يا فلان أغثني أغثني، وكذلك ينادون الله، لأن الله يقول: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [غافر: ٨٤].
ولكن قال الله تعالى: {فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (٣)} لات: (لا) النافية زيدت عليها تاء التأنيث لتأنيث اللفظ، كما زيدت تاء التأنيث في "رُبَّتَ" وفي "ثُمَّتَ" لتأنيث اللفظ. تقول: رُبّ رجل لقيته، وتقول: رُبَّتَ رجل لقيته، وتقول: قام زيد ثمَّ قام عمرو، وتقول: قام زيد ثُمَّتَ قام عمرو. فإذاً هي (لا) النافية زيدت عليها تاء التأنيث، لتأنيث اللفظ فتصبح "لات" ,و (لا) النافية تعمل عمل ليس، واسمها محذوف في هذه الآية، وخبرها: {حِينَ مَنَاصٍ} والتقدير: [أي: ليس الحينُ حينَ فرار] فسره المؤلف بالمعنى، فعليه تكون "لا" بمعنى "ليس" واسمها محذوف تقديره الحينُ، وخبرها موجود، وهو قوله: {حِينَ مَنَاصٍ} والغالب أن خبر "لا" يكون زماناً نحو: لات حين، ولات أوان، قال الشاعر.
نَدِمَ البغاةُ ولاتَ ساعةَ مَنْدَمِ ... والبغيُ مَرْتَعُ مبتغيه وَخيمُ
يعني وليست الساعةُ ساعةَ مَنْدَم.
وقوله: {مَنَاصٍ} المناص: الفرار والنجاة. يعني ليس الحينُ حينَ فرار ونجاة، لأنه بعد نزول العذاب لا ينفع نفس إيمانها. قال

الصفحة 20