كتاب تفسير العثيمين: ص

فكل حرف أصلي غير زائد فلا بد له من متعلق بفعل، أو بما كان بمعنى الفعل، كاسم الفاعل واسم المفعول. إذاً البسملة لا بد لها من متعلَّق، فما هو هذا المتعلَّق؟ أصح ما قيل في متعلَّق البسملة أنه فعل متأخر مناسب للمقام، فإذا كنت تريد أن تقرأ كان التقدير بسم الله أقرأ، وإذا أردت أن تأكل كان التقدير بسم الله آكل، وإذا أردت أن تذبح ذبيحة كان التقدير بسم الله أذبح. ولهذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب في الناس يوم النحر: "من لم يذبح فليذبح باسم الله" (¬١) وإنما ويقدّر فعلاً لأن الأصل في العمل هو الفعل، ولذلك يعمل في معموله بدون شرط، وأما اسم الفاعل واسم المفعول واسم التفضيل والمصدر فلا يعمل إلا بشرط.
ونقدِّره متأخراً فنقول: بسم الله أقرأ لسببين:
السبب الأول: التبرك بالبداءة باسم الله.
والسبب الثاني: إفادة الحصر، لأن تأخير العامل يفيد الحصر، فإن من طرق الحصر: تقديم ما حقه التأخير، وقدرناه مناسباً للمقام؛ لأنه أدلّ على المقصود مما لو قدرناه فعلاً عامّاً كما لو قيل: إن التقدير باسم الله أبتدئ، أو بسم الله أبدأ؛ لأن بسم الله أبدأ أو أبتدئ لم تعين الفعل الذي ابتدأت به، فالحاصل أننا نقدر المتعلَّق في البسملة أنه فعل متأخر مناسب للمقام.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري، كتاب العيدين، باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد (٩٨٥)، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب وقتها (١٩٦٠).

الصفحة 9