كتاب السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية (اسم الجزء: 1)

ولا شك أن المسلمين -على ضعفهم- كانوا يرغبون في الدفاع عن أنفسهم ويبدو أن الموقف السلمي أغاظ بعضهم وخاصة الشباب منهم. وقد أتى عبد الرحمن بن عوف وأصحابه إلى النبي بمكة فقالوا: يا نبي الله، كنا في عزة ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة! قال: إني أُمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم - فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا، فأنزل الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} (¬1) (¬2).
وتجمل عبارات لعائشة -رضي الله عنها- ولعبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- الحال التي كان عليها المسلمون بمكة في تلك المرحلة .. قالت عائشة -وقد سئلت عن الهجرة-: "لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله تعالى وإلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- مخافة أن يفتن عليه، فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام، واليوم يعبُدُ ربَّه حيث شاء" (¬3).
وقال عبد الله بن عمر: " ... كان الإسلام قليلًا، فكان الرجل يفتن في دينه، إما قتلوه، وإما يعذبوه، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة!! " (¬4).
وقد بقيت المأساة التي يعيشها المستضعفون حاضرة في نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان يدعو لمن بقي منهم بمكة بالنجاة من المشركين وذلك بعد هجرته إلى المدينة (¬5).
¬__________
(¬1) النساء 7. والآية مدنية تشير إلى ما حدث بمكة من الأمر بالكف عن القتال.
(¬2) الطبري: تفسيره 5/ 170 - 171 والحاكم: المستدرك 2/ 307 وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري وأقره الذهبي.
والصحيح أنه على شرط مسلم فقط لأن البخاري أخرج للحسين بن واقد تعليقاً فقط. وانظر أيضًا تفسير ابن كثير 1/ 451.
(¬3) صحيح البخاري 4/ 253، كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة.
(¬4) صحيح البخاري 5/ 157، 200 كتاب التفسير.
(¬5) صحيح البخاري 2/ 15 وصحيح مسلم 1/ 466.

الصفحة 158