كتاب السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية (اسم الجزء: 2)

العرب، فضلاً عن ضرب مصالحها الاقتصادية الكبيرة. لذلك كان من يظهر التردد في الخروج مع جيش قريش يتجه إليه زعماء قريش بالعتاب واللوم حتى يقنعوه بالخروج (¬1).
وقد صح أن عدد جيش المشركين بلغ ألفاً (¬2)، وقد ذكر ابن إسحق - دون إسناد - أنهم كانوا تسعمائة وخمسين مقاتلا معهم مائتا فرس يقودونها، ومعهم القيان يضربن بالدفوف ويغنين بهجاء المسلمين (¬3).
وأما عن تمويل الجيش فإن الأموي ذكر - دون إسناد - أن أثرياء قريش كانوا ينحرون الإبل مرة تسعاً ومرة عشراً لإطعام الجيش (¬4). وقد انشق بنو زهرة ورجعوا إلى مكة بعد أن نصحهم بذلك الأخنس بن شريق حين علموا بنجاة القافلة. وهم بالجحفة شرق رابغ (¬5)، ولكن معظم الجيش تقدموا حتى وصلوا إلى منطقة بدر. فلم تعد نجاة القافلة هدفهم بل تأديب المسلمين وتخليص طرق التجارة من تعرضهم وإعلام العرب بقوة قريش وسلطانها وسقط بعض خدمهم أسرى بيد المسلمين عند عيون المياة ببدر، وقد عرف منهم الرسول صلى الله عليه وسلم عدد الجيش وموقعه وزعماءه، فقد ذكروا عدد ما ينحرون من الإبل لطعامهم كل يوم فقال:"القوم ألف، وكل جزور لمائة وتبعها" (¬6).
ولم يرتح بعض المسلمين لنجاة القافلة ومواجهة جيش المشركين لأنهم لم يستعدوا للقتال. وقد صور القرآن الكريم موقفهم في الآيات التالية: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي
¬__________
(¬1) ابن حجر: فتح الباري 7/ 283.
(¬2) شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 84.
(¬3) ابن كثير: البداية والنهاية 3/ 260.
(¬4) المصدر السابق.
(¬5) سيرة ابن هشام 2/ 301 وتاريخ الطبري 2/ 443.
(¬6) مسند أحمد 2/ 193 رقم 948 وقال المحقق أحمد شاكر: إسناده صحيح، وفيه أبو إسحق السبيعي مدلس ولكن العلة زالت لوروده من طرق أخرى. وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح غير حارثة بن مضرب وهو ثقة (مجمع الزوائد 6/ 76).

الصفحة 357