كتاب السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية (اسم الجزء: 1)

بتاريخ صدر الإسلام، لأن هذه الروايات التاريخية تشبه الأحاديث من حيث وجود الأسانيد التي تتقدم المتون مما يمكن الناقد من معرفة الرواة المتعاقبين الذين نقلوا الخبر أو الرواية خلفاً عن سلف. وتستمد المعلومات عن الرواة من كتب علم الرجال التي تختص ببيان أحوال الرواة، فمثلاً شرط الصحيح من الحديث هو أن يرويه العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة، فشرط الرواية التاريخية الصحيحة أن كل رواتها المتعاقبين إلى - شاهد العيان - متدينون تديناً صحيحاً وعندهم ملكة الحفظ التي تمنع وقوعهم في الأوهام والتخليط وتؤدي إلى ضبطهم للرواية سواء في صدورهم أو كتبهم، يضاف إلى ذلك أن تكون الرواية متفقة مع الروايات الأخرى التي يرويها رواة يتمتعون بتوثيق أكثر، أما إذا خالفتها فهي شاذة مرجوحة، وكذلك أن لا يكون في الرواية التاريخية علة خفية قادحة بصحتها كالتدليس الخفي أو الإرسال الخفي أو الاضطراب في معلومات المتن، وإذا كانت الروايات التاريخية لا ترقى إلى درجة الصحة الحديثية وفق الشروط المتقدمة، فإنه ينظر إلى تعدد طرقها بجمع ما يتعلق بالمسألة التاريخية الواحدة والنظر في اتفاقها أو اختلافها، فإن تعددت مخارج الرواية الواحدة، فإنها تقوى خاصة عند استحالة اجتماع الرواة الذين رووها واتفاقهم على الكذب.
ولكن ينبغي ملاحظة منهج المحدثين عند التعامل مع الرواية التاريخية, فهم يتساهلون في رواية الأخبار التاريخية، كما نلاحظ عند ثقات المؤرخين مثل محمد بن إسحق وخليفة بن خياط والطبري حيث يكثرون من الأخبار المرسلة والمنقطعة. كما أن الطبري يكثر النقل عن رواة في غاية الضعف مثل هشام بن الكلبي وسيف بن عمر التميمي ونصر بن مزاحم وغيرهم.
ولا شك أن عدم تمحيص المؤرخين للأخبار كما فعلوا في الحديث، واكتفاءهم بإلقاء العهدة على الرواة المذكورين في أسانيد الروايات ألقى عبئاً كبيراً على "المؤرخ المعاصر المسلم" لأنه يحتاج إلى بذل جهد ضخم للوصول إلى

الصفحة 39