كتاب السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية (اسم الجزء: 2)
وقد أورد ابن إسحق وابن سعد روايات دون أسانيد تفيد أن بعض المشركين اقتحموا الخندق وذكرا أسماء خمسة منهم، وأن علياً بارز عمرو بن عبد ود فارس قريش وقتله، وأن الزبير قتل نوفل المخزومي وأن الثلاثة الآخرين فروا إلى معسكرهم (¬1). ولكن هجمات المشركين لم تنقطع حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين لم يتمكنوا من أداء صلاة العصر - في أحد الأيام - في وقتها بل صلوها بعدما غربت الشمس (¬2). ولم تكن صلاة الخوف قد شرعت بعد لأنها إنما شرعت بعد ذلك في غزوة ذات الرقاع (¬3).
ورغم طول مدة الحصار فقد استشهد من المسلمين ثمانية (¬4)، منهم سعد بن معاذ زعيم الأوس، أصيب في أكحله (¬5)، فضرب له النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب، ثم مات بعد غزوة بني قريظة، حيث انتقض جرحه (¬6). وكان من خيرة الصحابة وله مناقب كثيرة وتضحيات عظيمة من أجل قضية الإسلام (¬7). وقتل من المشركين أربعة، فكانت غزوة الخندق أقل الغزوات قتلى رغم كثرة أعداد المشتركين فيها من الجانبين إذ لم يقع التحام مباشر بينهم حيث حال الخندق دون ذلك.
¬__________
(¬1) السيرة النبوية 2/ 224 والطبقات الكبرى 2/ 68 وأورد الطبري مبارزة على لعمرو بن عبد ودّ من مرسل الزهري ومراسيله ضعيفة ومن مرسل عكرمة بإسناد رجاله ثقات (تاريخ الأمم والملوك 3/ 48 وكنز العمال 10/ 455). ولكن لا يحتاج لإثبات صحة المبارزة إلى درجة الصحة الحديثية لأن مثل هذه الأخبار تشتهر وتعرف بين الناس، وقد شاهد المعركة ألوف المقاتلين.
(¬2) فتح الباري 2/ 68، 72،123، 434، 5/ 92.
(¬3) فتح الباري 7/ 421 - 424.
(¬4) سيرة ابن هشام 3/ 253 والطبقات الكبرى 2/ 68 - 70.
(¬5) عرق في وسط الذراع.
(¬6) صحيح البخاري 5/ 51.
(¬7) تحرك العرش لموته، ومناديله في الجنة أفضل من الحرير (صحيح البخاري: مناقب الأنصار 12 وصحيح مسلم 4/ 1915، 1916).