كتاب السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية (اسم الجزء: 2)

جربنا (¬1). فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فهل من وضوء؟ " قال: فجاء رجل بأدواة (¬2) له فيها نطفة فأفرغها في قدح، فتوضأنا كلنا ندغفقه (¬3) دغفقة أربع عشرة مائة (¬4) ".
وفي الطريق إلى المدينة نزلت سورة الفتح: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} (¬5).
وقد عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن عظيم فرحته بنزولها: "أنزلت عليَّ الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس" (¬6).
قال أنس بن مالك: "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً" قال: الحديبية. قال أصحابه: هنيئاً مريئاً فما لنا؟ فأنزل الله: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (¬7) (¬8).
وقد أسرع الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو واقف على راحلته بكراع الغميم فقرأ عليهم "إنا فتحنا لك فتحا مبينا" فقال رجل: يا رسول الله: أفتح هو؟ قال: نعم والذي نفسي بيده إنه لفتح (¬9). فانقلبت كآبة المسلمين وحزنهم إلى فرح غامر، وأدركوا أنهم لا يمكن أن يحيطوا بالأسباب والنتائج، وأن التسليم لأمر الله ورسوله فيه كل الخير لهم ولدعوة الإسلام.
¬__________
(¬1) أوعية الزاد.
(¬2) إناء صغير من جلد يتخذ للماء.
(¬3) نصبه صباً كثيراً.
(¬4) صحيح مسلم، كتاب اللقطة 19 وأنظر صحيح البخاري (الفتح حديث رقم 4152). والفريابي: دلائل النبوة، حديث تكثير الطعام عن عمر (رض). وأحمد: المسند 3/ 417 - 418 عن أبي عمرة الأنصاري. والبيهقي: دلائل النبوة 2 /ق 222 - 223.
(¬5) صحيح البخاري (فتح الباري 4177). والآية (1) من سورة الفتح.
(¬6) المصدر السابق.
(¬7) سورة الفتح: آية 5.
(¬8) صحيح البخاري (الفتح حديث رقم 4172) وقد أوضح قتادة رواية عن أنس أن تفسيره الفتح بالحديبية عن انس وأما "قال أصحابه هنيئاً مريئاً" فعن عكرمة.
(¬9) سنن أبي داود مع معالم السنن، كتاب الجهاد 2736 ومسند أحمد 3/ 420 ومستدرك الحاكم 2/ 459 وقال: حديث كبير صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

الصفحة 449