كتاب السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية (اسم الجزء: 2)

إذا بلغ عتبة حجرة عائشة وظن أنهم خرجوا، فرجع ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينه بالستر وأنزل الحجاب" (¬1).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة زواجه بزينب قد أولم عليها بشاة واحدة، وهي أعظم ما أولم على زوجة من أزواجه، كما في حديث أنس بن مالك الذي تقدم.
وكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، تقول: زوجكن أهلوكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات كما في صحيح البخاري (¬2).
وهكذا كانت حادثة الزواج خرقا لعرف جاهلي سائد كان يؤدي إلى توارث باطل يحجب أصحاب الحقوق الفعليين. ويحرِّم زواج الرجل من امرأة تحل له، بزعم أنها كانت زوجة ابنه، وإنما هو متبناه. قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (¬3). ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ابن بالغ مبلغ الرجال حين الخطاب، وقال تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} (¬4).
فالعدل ألا يُحرم الوالد من نسبة ولده إليه، وأن تعود حقوق الإرث والحرمات إلى ما شرع الله تعالى في ذلك دون أهواء الناس وأعراف الجاهلية.
وقد يتصور البعض أن زيداً - رضي الله عنه - لم يكن كفئا للقرشيات، فالحق خلاف ذلك فهو من أوائل المسلمين السابقين زوجه رسول الله بعد طلاقه زينب من عقيلات قريش أم كلثوم بنت عقبة وأروى بنت كريزة ودرة بنت أبي لهب وهند بنت العوام أخت الزبير.
وقد أملت الأهواء على بعض الرواة الضعفاء روايات لا يؤبه لقائلها بأن ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُخفيه هو محبةُ زينب ورغبتُهُ في الزواج منها، والحق أن الوحي الإلهي أوضح علة هذا الزواج بقوله تعالى: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}.
¬__________
(¬1) متفق عليه (صحيح البخاري كما في فتح الباري 9/ 230 وصحيح مسلم 2/ 1050).
(¬2) صحيح البخاري كما في فتح الباري 13/ 403.
(¬3) الأحزاب آية: 40.
(¬4) الأحزاب: 5.

الصفحة 657