كتاب السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية (اسم الجزء: 2)

نهض الصحابة رضوان الله عليهم بالدعوة إلى دين الله، وعبَّروا عن مضامينه ومقاصده أجمل تعبير، مما يدل على وعي عميق بواقع عصرهم، ومقاصد دينهم .. قال ربعي بن عامر لقائد الفرس رستم: "الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيف الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام" (¬1).
وكان الصحابة يحملون رسالة إلى أهل الأرض، وكان أشد فرحهم عند دخول الناس في الإسلام، وكانوا بذلك واعين لأهدافهم حريصين على نشر عقيدتهم مستوعبين لقوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه يوم خيبر: "لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حُمْرُ النَّعَم" (¬2).
وكانت قياداتهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤكد هذا المعنى .. قال الصحابي الجليل أنس بن مالك: "بعثني أبو موسى الأشعري بفتح تُسْتَر إلى عمر، فسألني عمر وكان ستة نفر من بكر بن وائل قد ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بالمشركين - فقال: ما فعل النفر من بكر بن وائل؟ قلت يا أمير المؤمنين، قوم قد ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بالمشركين ما سبيلهم إلا القتل. فقال عمر: لأن أكون أخذتهم سلما أحب إلي مما طلعت عليه الشمس من صفراء وبيضاء - أي من الذهب والفضة -.
قلت: يا أمير المؤمنين، وما كنت صانعا بهم لو أخذتهم؟
قال لي: كنت عارضا عليهم الباب الذي خرجوا منه أن يدخلوا فيه، فإن فعلوا ذلك قبلت منهم وإلا استودعتهم السجن" (¬3).
ولما عرض المقوقس على عمرو بن العاص الجزية عند فتح الإسكندرية على أن يرد إليهم الأسرى، كتب عمر بن الخطاب إلى ابن العاص بقبول الجزية، وتخيير الأسرى بين الإسلام والنصرانية .. وقد وصف موقف التخيير
¬__________
(¬1) تاريخ الطبري 3/ 528.
(¬2) صحيح مسلم 2/ 279.
(¬3) البيهقي: السنن 8/ 207.

الصفحة 670