كتاب السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية (اسم الجزء: 2)

ولا شك أن الإسلام جعل اتباعه يتطلعون إلى ما عند الله من الأجر العظيم، الذي لا يعدله شيء من تكريم الدنيا مهما عظم، فقد صحّ أن أعرابياً شهد فتح خيبر أراد النبي صلى الله عليه وسلم أثناء المعركة أن يقسم له قِسْمًا وكان غائبًا، فلما حضر أعطوه ما قسم له، فحاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمى هاهنا - وأشار إلى حلقه - بسهم فأدخل الجنة.
قال: إن تصدق الله يصدقك.
فلبثوا قليلا. ثم نهضوا في قتال العدو، فأتى به يحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فكفَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بجُبَّتِه وصلَّى عليه ودعا له فكان مما قال: "اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا، وأنا عليه شهيد" (¬1)
وقد أثبت الأبطال المسلمون ترفعا على الدنيا وما فيها, وشمخت نفوسهم إلى الرضوان الأكبر، فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: "والله الذي لا إله إلا هو ما اطلعنا على أحد من أهل القادسية، أنه يريد الدنيا مع الآخرة" (¬2).
ولما قُدِم بسيف كسرى على عمر ومِنْطَقَتِه وزِبْرجِهِ، قال عمر: ان أقواما أَدَّوا هذا لَذَوو أمانة.
فقال علي - رضي الله عنه -: إنَّكَ عففتَ فعفَّت الرعية (¬3).
ومن أجل مظاهر تكريم الصحابة في الإسلام أنهم اعتبروا موضعَ قدوة وتأسٍ من بين المسلمين، فكتبت سيرهم وعرفت أخبارهم وبلغت كتب التراجم التي خلدت ذكراهم عشرات الألوف من الكتب، فلم تعنَ أمة بتسجيل تراجم رجالاتها مثل عناية الأمة الإسلامية، وهذا هو السبب الذي جعل كتب التراجم أوسع موضوعات المكتبة العربية الإسلامية.
¬__________
(¬1) مصنف عبد الرازق 5/ 276.
(¬2) تاريخ الطبري 4/ 19.
(¬3) المصدر السابق 4/ 20.

الصفحة 676