كتاب السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية (اسم الجزء: 2)

وكان العلماء قديماً وحديثاً يوجِّهون النشأ إلى النظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسير أصحابه الغر الميامين، لينشأوا على حب البطولة والأبطال، وليتأسوا بخلق أصحاب المروءة والشجاعة والكرم والصدق والعفاف والمعروف. وقد نبَّه القرآن الكريم إلى ضرورة تحقيق هذا المنهج في الاقتداء بالصالحين فقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (¬1). والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم شامل لمنهجه في مطالب الدين والدنيا لأنه لا ينطق عن الهوى بل هو وحي يوحى.
أما الاقتداء بالعظماء والصالحين من البشر فيكون في الجانب الذي تميزوا به مما يتطابق مع أحكام الشرع ومقاصده، فيستفاد من تطبيقهم ذلك في حياتهم لتوضيح المعنى وإبراز موضع القدوة، مع ضرورة اعتبار بعض القواعد، ومنها أن الأفذاذ من الأبطال والصالحين لهم أخطاؤهم أيضاً، وكل يؤخذ منه ويرد عليه إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، ومن هنا تظهر أهمية قاعدة "اعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق بالرجال" فمن المهم وضوح الحق وتميزه ومعرفة الباطل وتميزه، وقد قال الإمام أحمد: "من ضيق علم الرجل أن يقلد في دينه الرجال".
والصحابة أنفسهم يتفاضلون في السابقة والجهاد والعلم بالقرآن والسنة والفقه، فمنهم البدريون والأحديون وأصحاب الخندق ومسلمة ما قبل الفتح ومسلمة ما بعد الفتح، ولا شك أن أصحاب السابقة هؤلاء يمتازون بأنهم رموز الدعوة الإسلامية ومثلها العليا، وكانت أعمالهم سوابق تُحتذى، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن أعمال الخلفاء الراشدين سنّة تُحتذى، وسوابق يقاس عليها، وذلك في الحديث "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذ" (¬2).
ونجد الآية الكريمة هنا توجه المؤمنين إلى إتباع أهل السابقة {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}.
¬__________
(¬1) الأنعام: 90.
(¬2) سنن أبي داود 5/ 14 حديث رقم 4607 وسنن الترمذي حديث رقم 2678 وقال: حسن صحيح. وسنن ابن ماجة حديث رقم 42.

الصفحة 677