كتاب الوجيز في شرح قراءات القرأة الثمانية أئمة الأمصار الخمسة

[مقدمات التحقيق]
تقديم [للدكتور بشار عواد معروف]
لأستاذنا العلامة الدكتور بشار عواد معروف بسم الله الرّحمن الرّحيم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) [الكهف].
نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له- كلمة قامت بها الأرض والسموات وخلقت لأجلها جميع المخلوقات- وأشهد أن سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمدا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وسفيره بينه وبين عباده، بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون.
أما بعد، فإن القرآن الكريم هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وهو «نوره المبين الذي أشرقت له الظّلمات، ورحمته المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسبب الواصل بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدخول فلا يغلق إذا غلّقت الأبواب، وهو الصراط المستقيم الذي لا تميل به الآراء، والذّكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنّزل الكريم الذي لا يشبع منه العلماء؛ لا تفنى عجائبه، ولا تقلع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالاته، كلما ازدادت البصائر فيه تأملا وتفكيرا زادها هداية وتبصيرا، فهو نور البصائر من عماها، وشفاء الصّدور من أدوائها وجواها، وحياة القلوب، ولذة النفوس، وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح والمنادي بالمساء والصباح: يا أهل الفلاح حيّ على الفلاح «1»».
وقد أمرنا الله جل شأنه ورسوله بتلاوته وتعاهده وتدبّره والعمل به، فقال جل ثناؤه: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ [ص]، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه» «2»، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المؤمن الذي يقرأ القرآن
__________
(1) مستفاد من كلام الإمام ابن قيم الجوزية في مقدمته لمدارج السالكين 1/ 7.
(2) من حديث عثمان رضي الله عنه، أخرجه البخاري 6/ 236 (5027) و (5028)، وغيره، وانظر تمام تخريجه في تعليقنا على جامع الترمذي (2907).

الصفحة 5