كتاب الدر الثمين والمورد المعين

عنه صلى الله عليه وسلم أن قال «خلق الله الجنة فحفها بالمكاره وخلق النار فحفها بالشهوات» وخلق للنار سبعة أبواب وخلق لابن أدم سبعة جوارح فمتى أطاع الله بجارحة من تلك الجوارح السبعة غلق عنه باب من تلك الأبواب ومتى عصى الله بجارحة من تلك الجوارح السبعة استوجب الدخول من باب من تلك الأبواب
والجوارح السبعة هي السمع والبصر واللسان واليدان والرجلان والبطن والفرج وسميت جوارح لأنها كواسب تكسب الخير والشر وأصل صلاح هذه الجوارح وفسادها من القلب لأن القلب كالسلطان والجوارح كالأجناد لا تفعل إلا ما أمرها به القلب وقد قال «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» قالها ثلاثاً. فينبغي للإنسان أن يجعل من جوارحه حاجباً يمنع عنها كل شيء بأن يمتثل الأمر ويجتنب النهي حتى يجري أفعاله وأقواله كلها على سنن للشرع قال الله تعالى {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} وقد نبه أبو محمد على هذا في أول الكتاب حيث دعا وقال أعاننا الله على رعاية ودائعه وهي الجوارح باجتناب المنهيات وحفظ ما أودعنا من شرائعه بامتثال المأمورات فمن رعى ودائعه وحفظ شرائعه فقد فاز، قال صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» الشيخ: والجوارح نعمة من الله على العبد وأمانة لديه ومن أشد الطغيان وغاية الخسران استعانة العبد بنعمة الله على معصية الله تعالى وخيانته لما أمنه الله تعالى عليه اهـ
وقد اشتمل كلام الناظم في هذه الأبيات على أربع مسائل:
الأولى: حفظ الجوارح السبعة كل بما يليق به الثانية ترك الأمور المشبهات بالحلال مع عدم القطع بكونها منه. الثالثة الوقوف على الأمور التي لم يعلم حكم الله فيها فلا يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه. الرابعة تطهير القلب من أمراضه كالرياء والحسد والعجب وغير ذلك
فقوله يغض ويكف ويحفظ في الموضعين ويترك ويتقي ويوقف ويطهر لفظها لفظ الخبر والمراد الطلب ولولا رفعها لقلت إنها على حذف لام الأمر لكنها إذا حذفت يبقى عملها وهو الجزم والغض والستر وغض البصر عن المحارم فرض عين والدليل عليه الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى {قل للمؤمنين يغضوا من

الصفحة 555