كتاب الدر الثمين والمورد المعين

فيجب عليه أيضاً أن يكف سمعه عن كل ما يأثم بسماعه كالغيبة والنميمة والزور والكذب ونحوه وعلى ذلك نبه الناظم بقوله يكف سمعه عن المأثم كغيبة ونميمة زور وكذب ويأتي تفسيرها قريباً في عد آفات اللسان إن شاء الله قال في الرسالة ولا يحل لك أن تتعمد سماع الباطل كله قال الشيخ الجزولي يشتمل الغناء والملاهي الملهية والغيبة وسماع كلام امرأة لا تحل لك وسماع المحلقين للقصص وغيرها والباطل كثير ومفهومه أنه لم يتعمد فلا إثم عليه ولكن ذلك إذا سمعه وألغاه وأعرض عنه كالنظرة الأولى فأما إذا سمعه فتمادى على سماعه فهو مأثوم والأصل في ذلك قوله تعالى وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقوله «المستمع شريك القائل»
قال الشاعر
وسمعك صن عن سماع القبيح
كصون اللسان عن النطق به
فإنك عند سماع القبيح
شريك لقائله فانتبه
قال وهذا الحديث يعارض ما قال مالك في موطأ يحيى بن يحيى قال له أوصني قال أوصيك بثلاث الأولى اجمع لك فيها علم العلماء هي إذا سئلت عن شيء لا تدري فقل لا أدري والثانية اجمع لك فيها طب الأطباء وهي أن ترفع يدك من الطعام وأنت تشتهيه والثالثة اجمع لك فيها حكمة الحكماء وهي إذا كنت في قوم فكن أصمتهم فإن أصابوا أصبت معهم وإن أخطأوا سلمت منهم مع أنه قال في الحديث المستمع شريك القائل فيحمل ما قاله مالك على ما إذا كان لا يقدر على تغييره ولا على أن يقوم عنهم قال ابن شعبان وكذلك الأمرد من الصبيان لا يحل سماع كلامه إذا كان فيه لين يخاف منه اللذة قال أبو حامد ولا يصلي خلفه الأشفاع لأنه يتلذذ بصوته ثم قال الشيخ الجزولي عند قوله ولا سماع شيء من الملاهي والغناء: والملاهي آلة الغناء كالمزمار والأتار وما أشبه ذلك والغناء ممدود وهو كلام موزون طيب مفهوم المعنى محرك للقلب وتحريم سماع الملاهي والغناء عام في الرجال والنساء وإذا حرم سماع الملاهي على الانفراد فأحرى إذا اجتمعا وظاهره سواء اتخذ ذلك حرفة أو لا أكثر التردد إليه أم لا، أما إن اتخذه حرفة أو أكثر التردد إليه فلا خلاف في المذهب أنه حرام وأن ذلك جرحة في شهادته وإمامته واختلف فيمن ليس ذلك حرفة له وقل حضوره له فقيل حرام وقيل مباح،

الصفحة 558