كتاب الدر الثمين والمورد المعين

من أكل الحلال أربعين يوماً نور الله قلبه وأجرى ينابيع الحكمة على لسانه ـ وفي رواية أخرى ـ وزهده الله الدنيا وقال من اشترى ثوباً بعشرة دراهم وفي ثمنه درهم حرام لم يقبل الله صلاته ما دام عليه. وقال: كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به. وقال: أول ما يفقد هذه الأمة [هذه الأمة درهم حلال وأخ صالح». وقال عمر: كنا ندفع أربعين باباً من الحلال مخافة الوقوع في الشبه من الحرام، وإنما الورع في الحلال وأما الحرام فتركه واجب، قيل من أنفق الحرام في طاعة الله كان كمن طهر ثوبه بالبول. وفي التوراة: من لم يبال من أين رمطعمه لم يبال الله من أي باب من أبواب النار أدخله. والإجماع على طلب الحلال فرض عين على كل مكلف، واختلف في الحلال هل هو موجود أم لا؟ فقيل: إنه موجود، وإنما قل طلابه، وقيل: هو ضالة مفقودة للحديث الأخير، ولا يعرف الحلال من الحرام إلا بالعلم.
الشيخ: وينبغي للإنسان أن لا يكثر من طلب المال مخافة أن يكتسب بعضه من الحرام ويجب على المكلف ترك الحرام جملة من غير تفصيل، وأكل الحلال المجمع عليه، فإن لم يجده فالمتفق عليه، فإن لم يجده فالمختلف فيه في المذهب، فإن لم يجده فالمختلف فيه في غير المذهب، فإن لم يجده فكما قال القاسم بن محمد: لو كانت الدنيا كلها حرامًا لما كان لنا بد من العيش. فمن حصل له كسب طيب فأراد شراء قوته فليتلطف في شراء الطيب جهده، فإن بذل جهده واستفرغ طاقته وقع إن شاء الله على ما تسكن إليه نفسه، فإن تعذرت عليه معرفة أصله فشراء الخبز أولى من شراء الدقيق، وشراء الدقيق أولى من شراء الزرع، وشراء الزرع المجلوب أولى من شراء الزرع القريب، واختلف هل يجب عليه السؤال أم لا؟ وعلى القول بوجوبه فلا يقدم على شراء سلعة حتى يسأل عن أصلها، فإن لم يجد من يسأل فلينظر حلية البائع يفحص عن ذلك جهده. قال بعض العلماء: أصول الحلال عشرة: صيد البر، وصيد البحر، وتجارة بصدق، وإجارة]

الصفحة 569