كتاب الدر الثمين والمورد المعين

يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب قال الإمام ابن حجر الهيتمي في الأربعين للنووي الحلال ما نص الله أو الرسول أوالمسلمون على تحليله بعينه أو جنسه ومنه أيضاً ما لم يعلم فيه منع على أسهل القولين والحرام ما نص أو أجمع على تحريمه بعينه أو جنسه على أن فيه حدا أو تعزيزاً أو وعيداً ثم قال والمشتبه به هو كل ما ليس بواضح الحل والحرمة مما تنازعته الأدلة وتجاذبته المعاني والأسباب فبعضها يعضده دليل الحلال وبعضها يعضده دليل الحرام ومن ثم فسر أحمد واسحق وغيرهما والمشتبه بما احتار فيه وفسره أحمد مرة باختلاط الحلال والحرام ثم الحصر في ثلاثة صحيح لأنه إن نص أو أجمع على الفعل الحلال أو على المنع جازماً فالحرام أو سكت عنه أو تعارض فيه نصان ولم يعلم المتأخر منهما فالمشتبه ثم ذكر كلاماً عجيباً في بيان المشتبه تركته لطوله فراجعه إن شئت وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: وحاصل ما فسر به العلماء المشبهات أربعة أشياء أحدها تعارض الأدلة، [والثاني: اختلاف العلماء وهي منتزعة من الأولى. والثالث: أن المراد بها قسم المكروه؛ لأنه يجتذبه جانباً الفعل والترك. والرابع: أن المراد بها، المباح ولا يمكن قائل هذا أن يحمله على متساوي الطرفين من كل وجه بل يمكن حمله على ما يكون من قسم خلاف الأولى بأن يكون متساوي الطرفين باعتبار ذاته راجع الفعل أو الترك باعتبار أمر خارج. اهـ. وفي جواز الإقدام عليها قولان: قال الجزولي: وقد اختلف في المتشابه فقيل: مباح؛ لقوله تعالى: "وهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً" [البقرة: 29]، وقيل: حرام كقوله تعالى: "أحل لكم الطيبات" [المائدة: 5]. ومن العلماء من توقف فيه. اهـ.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: «ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام» فمعناه أنه بصدد الوقوع في الحرام لا من أكثر تعاطيها ربما صادف الحرام المحض، وإن لم يتعمده لا أن من ارتكب مشتبهاً فعل حرامًا، لكن الأولى تركه ليبرأ الدين والعرض كما قال صلى الله عليه وسلم. وقد تقدم في شرح قوله: وحاصل التقوى اجتناب وامتثال، عن ابن جزي أن ترك الشبهات هو مقام الورع وهي الدرجة الثالثة من درجات التقوى، وحديث النعمان هذا]

الصفحة 572