كتاب الدر الثمين والمورد المعين

وأما العجب فقال في الإحياء أيضا: اعلم أن العجب إنما يكون بوصف هو كمال لا محالة وللعالم في كمال نفسه في علم وعمل ومال وغيره حالتان إحداهما أن يكون خائفاً على زواله مشفقاً على تكدره أو سلبه من أصله فهذا ليس بعجب والأخرى أن لا يكون خائفاً من زواله ولكن يكون فرحا به من حيث أنه نعمة من الله تعالى عليه من حيث إضافته إلى نفسه وهذا أيضا ليس بعجب وله حالة ثالثة وهي العجب وهي أن يكون غير خائف عليه بل يكون فرحاً به مطمئناً إليه ويكون فرحه من حيث إنه كمال ونعمة ورفعة وخير لا من حيث إنه عطية من الله تعالى ونعمة منه فيكون فرحه من حيث إنه صفته ومنسوب إليه بأنه له لا من حيث أنه منسوب إلى الله تعالى بأنه منه فمتى غلب على قلبه أنه نعمة من الله تعالى مهما شاء سلبه زال العجب بذلك عن نفسه فإذا العجب هو استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم وهو مذموم في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم} ذكر ذلك في معرض الإنكار وقال تعالى وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا فرد على الكفار في إعجابهم بحصونهم وشوكتهم، وقال صلى الله عليه وسلم ثلاث مهلكات وثلاث منجيات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه وقال لأبي ثعلبة إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك وقال ابن مسعود رضي الله عنه: الهلاك في اثنين العجب والقنوط، وقال مطرف لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً أحب إلي من أبيت قائماً وأصبح معجباً، وقال صلى الله عليه وسلم لو لم تذنبوا لخشيت عليكم أكبر من ذلك العجب فجعل العجب أكبر من الذنوب وقيل لعائشة رضي الله عنها متى يكون الرجل مسيئاً فقالت إذا ظن أنه محسن

الصفحة 580