كتاب الدر الثمين والمورد المعين

أصل الآفات هو الدنيا بدليل الحديث المتقدم أرشدك إلى أن دواء تلك الآفات والمختص منها هو في اللجوء والاضطرار إليه سبحانه وتعالى في التغلب على النفس ومخالفة هواها وسوقها إلى الطاعة وهي تنفر وتميل إلى المعصية لأن ذلك طبعها قال الله تعالى {إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي} وقال تعالى {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} وقد سمى جهاد النفس الجهاد الأكبر لأن مشقة جهاد النفس دائمة ومشقة جهاد العدو في وقت دون وقت لأن جهاد النفس متصل بالإنسان وجهاد العدو منفصل عنه ولأن جهاد النفس لا يحصل إلا بامتثال جميع المفروضات بخلاف جهاد العدو وأجمع العلماء والحكماء أن لا طريق لسعادة الآخرة إلا بنهي النفس عن الهوى وترك الشهوات وقال «المؤمن من بين خمس شدائد مؤمن يحسده وكافر يقاتله ومنافق يبغضه وشيطان يضله ونفس تنازعه» وذكر أن راهباً نصرانياً كان يتعبد في صومعته فلا يأتيه ذو عاهة إلا يبرأ بمر يده عليه فسمع به رجل صالح فتعجب من ذلك فأتاه وسأله بماذا بلغت هذه المنزلة فقال بمخالفة هوى النفس فقال له ذلك الرجل أعرضت لا إله إلا الله عليها قط فقال لا ولا أعرفها فقال دعني إلى غد فإني أعرضها عليها هذه الليلة فذهب الرجل الصالح فلما أتاه من الغد قال له النصراني أمدد
يمينك وأنا أقول لك لا إله إلا الله ثم قال له عرضتها على نفسي البارحة فنفرت منها غاية النفور فقلت إن فيها رضاء الله تعالى وليكن من دعائك اللهم ملكنا نفوسنا ولا تسلطها علينا صح من الجزولي وقد ورد في ذم الدنيا والجاه أحاديث فعليك بالاحياء إن أردت الوقوف على ذلك
يَصْحَبُ شَيْخاً عَارِفَ المَسالِكْ
يَقِيهِ فِي طَرِيقِهِ الْمَهالِكْ
يُذَكِّرُهُ الله إِذَا رَآهُ
وَيُوصِلُ الْعَبْدَ إِلى مَولاهُ
يُحاسِبُ النَّفْسَ عَلى الأَنْفاسِ
وَيَزِنُ الْخَاطِرَ بالْقِسْطاسِ
وَيَحْفَظُ الْمَفْرُوضَ رَاسِ المَالِ
والنَّفْلَ رِبْحَهُ يُوَالِي
وَيُكْثِرُ الذِّكْرَ بِصَفْوِ لُبِّهِ
وَالْعَونُ فِي جَمِيع ذَا بِرْبِّهِ
يُجَاهِدُ النَّفْسَ لرَبِّ الْعَالَمِينْ
وَيَتَحلَّى بِمَقَامَاتِ اليَقِينْ

الصفحة 582