كتاب الدر الثمين والمورد المعين

وكما قال سيدي أبو العباس بن العريف رضي الله عنه في هذا المعنى
يدم لك سر طال عنك اكتتامه
ولاح صباح كنت أنت ظلامه
فأنت حجاب القلب عن سر غيبه
ولولاك لم يطبع عليه ختامه
فإن غبت عنه حل فيك وطنبت
على مركب الكشف المصون خيامه
وجاء حديث لا يمل سماعه
شهي إلينا نثره ونظامه
إذا سمعته النفس طال نعيمها
وزال عن القلب المعنى غرامه
وأنشدوا في معناه أيضاً
قولي لآمالي ألا فابعدي
وقد الأحباب لي موعدي
قد كنت قبل اليوم مستأنساً
منك بخل مشفق مسعدى
وإن نسيم الوصل قد هب نحوهم
رطيبا فلي عندك ظل ندى
وحيث لاحت لي أعلامهم
فليس لي فقر إلى مرشد
وإن لم يجد في نفسه هذه العلامات فليستمر على سلوكه ومجاهداته لا يغتر بما يتراءى له من سني حالاته فإنه لم يصل بعد ولم يصل له من هوى نفسه فقد وليس طريق موت النفس يقطع جميع الارفاق عنها وردها الى الاجتزاء بالحشيش والنخالة والمبالغة في التقشف والتقلل مع قطع النظر عن أحوال القلب وهممه وقصوره وإرادته وترك الالتفات إلى ما يحمد منها وما يذم فذلك كله غلو وبدعة وقد غلط في هذه طوائف من الناس وعملوا عليه في رياضتهم ومجاهدتهم ولم يقصدوا بذلك إخلاص العبودية لربهم فأداهم ذلك إلى اختلال عقولهم وانحلال قوى أبدانهم ولم يحصلوا من أمرهم على فائدة وذلك بجهلهم بالسنة وما كان عليه سلف هذه الأمة اهـ كلام الشيخ ابن عباد رضي الله عنه وأما محاسبة النفس على الأنفاس فقد أطال الإمام الغزالي في الإحياء الكلام في ذلك نحو ثلاثين ورقة في كتاب المراقبة والمحاسبة وذلك أثناء الربع الثالث من الكتاب المذكور فعليك به إن أردت استقصاء المسألة ولنذكر نبذة يسيرة من ذلك قال رحمه الله تعالى:
قال الله عز وجل {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وقال ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه وقال يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم} الآية فعرف أهل البصائر من جملة العباد أن الله تعالى لهم بالمرصاد وأنهم سيناقشون في الحساب وتحققوا أنه لا ينجيهم من ذلك إلا لزوم المحاسبة وصدق المراقبة ومطالبة

الصفحة 586