كتاب الدر الثمين والمورد المعين

أحدها أن يعلم أنه مأمور به شرعاً إما على طريق الوجوب أو الاستحباب فليبادر إلى فعله فإنه من الرحمن ثم يحتمل أن يكون إلهاماً من الله تعالى ويحتمل أن يكون من إلقاء الملك في الروع والفرق بينهما أن إلقاء الملك قد تعارضه النفس والشيطان بالوسواس بخلاف الخواطر الإلهية فإنه لا يردها شيء بل تنقاد لها النفس كذلك الشيطان طوعاً وكرهاً وإنما يبادر إلى فعله كما قال الاستاذ أبو القاسم القشيري إنك إن توقفت برد الأمر وهبت ريح التكاسل فإن خشيت مع كونه مأموراً به أن يقع على صفة منهية لعجب أو رياء فلا يكون ذلك مانعاً لك من المبادرة إليه ومن ثم قال السهروردي اعمل إن خفت العجب مستغفراً منه وذلك لأن تطهير القلب من نزعات الشيطان بالكلية متعذر فلو وقفنا العبادة على الكمال لتعذر الاشتغال بشيء من العبادات وذلك يوجب البطالة وهي أقصى غرض الشيطان ومن ثم أيضاً كان احتياج استغفارنا إلى الاستغفار لا يوجب ترك الاستغفار
الحالة الثانية أن تجد ذلك منهياً عنه شرعاً فلا تقربه فإن ذلك الخاطر من الشيطان أو من النفس والفرق بينهما أن خاطر النفس لا ترجع عنه وخاطر الشيطان قد تنقله إلى غيره إن صمم الانسان على عدم فعله لأن القصد الاغراء لا حصر قضية معينة فإن فعلت ذلك ذلك المنهي فاستغفر الله منه ولا تيأس من الرحمة قال الله تعالى {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم} الآية الحالة الثالثة أن يشك هل ذلك الأمر الذي خطر له مأمور به أو منهي عنه فإن كان مقابل النهي الإباحة فترجح الإمساك عنه ولا يجب لأن من باب الشبهة وتركه ورع لا وجوب وإن كان مقابله الوجوب فيجب الفعل قياساً على الشك في عدد ركعات الصلاة وهذه الحالة الثالثة راجعة إلى ترك المشبهات وقد تقدم ذلك من قوله يترك ما شبه باهتمام وحديث النفس ما لم تتكلم أو تعمل فإنهما مغفوران وأما المحافظة على الفرائض وتسمى رأس مال الانسان لانتظاره الربح الاخروي من قبلها وعلى النوافل وتسمى ربحاً لأن ما زاد على رأس المال ربح فبالاتيان بها على أكمل وجوهما لما في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال مخبراً عن الله تعالى وما تقرب الي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بهاورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه وإن استعاذني لأعيذنه وليس المراد قرب المسافة لأن الله

الصفحة 589