كتاب الدر الثمين والمورد المعين

وتصور اطلاع ربه عليه في سره وعلانيته وعلم جميع أحواله ومتصرفاته وأنه لا تخفى عليه خافية ولا يستر عنه مستور فلذلك كان الذكر بالقلب أفضل من الذكر باللسان وقيل الذكر باللسان أفضل قاله أبو عبيدة بن عبد الله وقيل إن من كان يقتدي به وكان محفل من الناس فالذكر باللسان أفضل ليقتدى به وإن كان ممن لا يقتدى به وكان بمحضر الناس فذكره بالقلب أفضل وارتضى هذا القول الطبري اهـ، والقول الأول أن الذكر بالقلب أفضل هو الذي يؤخذ من قوله الناظم وبكثرة الذكر يصفو لبه والله أعلم وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف وهذا إن كانت الباء فيه للآلة وأما إن كانت للمصاحبة فلا وقد جلب الامام الجزولي في فضل الذكر أحاديث كثيرة كقوله صلى الله عليه وسلم أفضل العبادات الذكر وأفضل الذكر الخفي وقال في الصحيحين من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملاء ذكرته في ملاء خير منه قال ويؤخذ من هذا الحديث أن الملائكة أفضل وقال في شرح البخاري لابن بطال قال أبو موسى قال النبي صلى الله عليه وسلم «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت» إلى غير ذلك فإن أردت تتبع ما ورد في ذلك فعليك بشرع الجزولي في المحل المذكور والصفو بالواو الخالص واللب القلب والمعنى أن يطلب من الذاكر أن يصفي قلبه من التعلق بغير الله تعالى ورجاء أحد سواه مع استحضار الخوف والخشوع واطلاع ربه عليه في السر والعلانية كما تقدم عن الجزولي وأما كون الاستعانة على جميع الأشياء بالله تعالى لا بغيره فظاهر إذ غيره لا يملك ضراً ولا نفعاً
إذا كان عون الله للمرء خادماً
تهيأ له من كل صعب مراده
إذا لم يكن عون من الله للفتى
فأول ما يجني عليه اجتهاده
وأما مجاهدة النفس وهي الجهاد الأكبر فقد تقدم بعض ما فيه عند قول (واعلم بأن أصل ذي الآفات) البيتين وراجع آخر الكلام الذي نقلنا على قوله يحاسب النفس على الأنفاس حيث قال (وإن رآها تتوانى بحكم الكسل) الخ وأما التحلي بمقامات

الصفحة 591