كتاب الدر الثمين والمورد المعين

فيتبع القوم لواءهم إلى منازلهم فيدخلون الجنة بغير حساب وقال عليه الصلاة والسلام «رأس الحكمة مخافة الله عز وجل» اهـ
المقصود منه وقال في الشكر قبله ما نصه: اعلم أن الشكر من جملة مقامات السالكين وهو أيضاً ينتظم من علم وحال وعمل فالعلم هو الأصل ويورث الحال والحال يورث العمل فأما العلم فهو معرفة النعمة من النعم والحال هو الفرح الحاصل بإنعامه والعمل هو القيام بما هو مقصود المنعم ومحبوبه ويتعلق ذلك العمل بالقلب وبالجوارح وباللسان ولا بد من بيان مجموع ذلك ليحصل بمجموعه الإحاطة بحقيقة الشكر فإن كل ما قيل بحقيقة الشكر قاصر عن الإحاطة بكمال معانيه فالأصل الأول العلم وهو علم بثلاثة أمور بعين النعمة ووجه كونها نعمة من حقه وبذات المنعم ووجود صفاته التي يتم بها الإنعام وبصدور الإنعام منه عليه فإنه لا بد من نعمة ومنعم عليه تصل إليه النعمة من المنعم بقصد وإرادة هذا في حق غير الله تعالى، فأما في حق الله تعالى فلا يتم إلا بأن يعرف أن النعم كلها من الله تعالى وهو المنعم والوسائط مسخرون من جهته ثم قال والأصل الثاني الحال المستمدة من أصل المعرفة وهو الفرح بالمنعم مع هيئة الخضوع والتواضع وهذا أيضاً في نفسه شكر على تجرده كما أن المعرفة شكر ولكن إنما يكون شكر اً إذا كان جامعاً شروطه وشروطه أن يكون فرحك بالمنعم لا بالنعمة ولا بالأنعام، ثم قال الأصل الثالث: العمل بموجب الفرح الحاصل من معرفة النعم وهذا العمل يتعلق بالقلب وباللسان وبالجوارح أما القلب فقصد الخير وإضماره لكافة الخلق وأما باللسان فاظهار الشكر لله فالتحميدات الدالة عليه وأما بالجوارح فاستعمال نعم الله تعالى في طاعته والتوقي من الاستعانة بها على معصيته حتى أن شكر العينين أن يستر كل عيب يراه المسلم وشكر الأذنين أن يستر كل عيب يسمعه فيدخل هذا في جملة شكر نعمة هذه الأعضاء والشكر باللسان إظهار الرضا عن الله تعالى وما هو مأمور به اهـ
وأما الصبر فقال فيه أيضاً إنه عبارة عن ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الشهوة

الصفحة 595