كتاب الدر الثمين والمورد المعين

فإن ثبت حتى يقهره ويستمر على مخالفة الشهوة فقد نصر حزب الله تعالى والتحق بالصابرين وإن تخاذل وضعف حتى غلبت الشهوة ولم يصبر على دفعها التحق باتباع الشيطان فإذن ترك الأفعال المشتبهات عمل يثمره حال يسمى الصبر وهو ثبات باعث الدين الذي هو في مقابلة باعث الشهوة وثبات باعث الدين حال تثمرها المعرفة بعداوة الشهوات ومضادتها لأسباب السعادة في الدنيا والآخرة فإذا قوى يقينه يكون الشهوة عدواً قاطعاً لطريق الله تعالى قوى ثبات باعث الدين فإذا قوى ثباته تمت الأفعال على خلاف ما تتقاضاه الشهوة فلا يتم ترك الشهوة إلا بقوة باعث الدين المضاد لباعث الشهوة وقوة المعرفة والإيمان بقبح محبة الشهوات وسوء عاقبتها وكونها عدواً قاطعاً لطريق الله تعالى اهـ
وأما التوبة فقد تقدم الكلام عليها أول الكتاب أعني كتاب التصوف حيث تعرض لها الناظم، وأما الزهد فقد قال فيه أيضاً في كتاب الفقر والزهد اعلم أن الفقر عبارة عن فقد ما هو محتاج إليه أما فقد ما لا حاجة إليه فلا يسمى فقراً وإن كان المحتاج إليه موجوداً مقدوراً عليه لم يكن المحتاج فقيراً وإذا فهمت هذا لم تشك في أن كل موجود سوى الله تعالى فهو فقير لأنه محتاج إلى دواء الوجود في ثاني الحال ودوام وجوده مستفاد من فضل الله تعالى وجوده ثم قال هذا معنى الفقر مطلقاً ولكنا لسنا نقصد بيان الفقر المطلق بل بيان الفقر من المال على الخصوص وإلا ففقر العبد بالإضافة إلى أصناف حاجته لا ينحصر لأن حاجاته لا حصر لها ومن حاجاته ما يتوصل إليه بالمال وهو الذي أريد بيانه فقط فنقول: كل قائد للمال فإنما نسميه فقيراً بالإضافة إلى المال الذي فقدناه إذا كان ذلك المفقود محتاجاً إليه في حقه ثم يتصور أن تكون له خمسة أحوال عند الفقر ونحن نميزها ونخصص كل حال باسم ليتوصل بالتمييز إلى ذكر أحكامها الحالة الأولى وهي العليا أن يكون بحيث لو أتاه المال لكراهة وتأذى به وهرب من أخذه مبغضاً له ومحترزاً من شره وشغله وهذه الحالة هي الزهد واسم صاحبها زاهد ثم قال في بيان حقيقة الزهد اعلم أن الزهد في الدنيا مقام شريف من مقامات السالكين وينتظم هذا المقام من علم وحال وعمل كسائر المقامات أما الحال فنعني به ما يسمى زهداً وهو عبارة عن انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه وكل من عدل عن شيء إلى غيره بمعاوضة وبيع وغيره فإنما عدل عنه لرغبته عنه وعدل إلى غيره لرغبته فيه فحاله بالإضافة إلى العدول عنه يسمى زهداً وبالإضافة إلى المعدول إليه يسمى رغبة وحباً فإذا يستدعي حال الزهد مرغوباً عنه ومرغوباً فيه فهو خير من المرغوب عنه ثم قال وأما العلم الذي هو المثمر لهذه الحالة فهو العلم يكون المتروك حقيراً بالإضافة إلى

الصفحة 596