كتاب الدر الثمين والمورد المعين

المأخوذ كعلم التاجر بأن العوض خير من المبيع فيرغب فيه وما لم يتحقق هذا العلم لا يتصور أن تزول الرغبة عن البيع وكذلك من عرف أن ما عند الله باق وأن الآخرة خير وأبقى أي لذاتها خير في أنفسها وأقوى كما يقال الجوهر خير من الثلج مثلاً وهي أبقى كما يكون الجوهر أبقى من الثلج ولا يعسر على مالك الثلج بيعه بالجواهر واللآليء فهذا مثال الدنيا والآخرة فالدنيا كالثلج الموضوع في الشمس لا يزال في الذوبان حتى ينقرض والآخرة كالجواهر التي لا فناء لها فبقدر قوة اليقين والمعرفة بالتفاوت بين الدنيا والآخرة تقوى الرغبة في البيع والمعاملة حتى أن من قوى يقينه باع نفسه وماله قال الله تعالى {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} ثم قال وأما الصادر عن حال الزهد فهو ترك وأخذ لأنه بيع ومعاملة واستبدال الذي هو خير بالذي هو أدنى فكما أن العمل الصادر عن عقد البيع هو ترك المبيع وإخراجه من اليد وأخذ العوض فكذلك الزهد يوجب ترك المزهود فيه بالكلية وهي الدنيا بأسرها مع أسبابها ومقدماتها وعلائقها فيخرج من القلب حبها ويدخل حب الطاعات ويخرج من اليد والعين ما أخرجه من القلب ويوظف على اليدين والعين وسائر الجوارح وظائف الطاعات وإلا كان كمن سلم المبيع ولم يأخذ الثمن، فإذا وفى بشرط الجانبين في الأخذ والترك فليستبشر ببيعه الذي بايع به وأما التوكل فقال فيه إنه مشتق من الوكالة يقال وكّل أمره إلى فلان أي فوضه إليه واعتمد عليه ويسمى الموكل إليه وكيلا ويسمى المفوض إليه متكلاً عليه ومتوكلاً عليه مهما اطمأنت إليه نفسه ووثق به ولم يتهمه بتقصير ولم يعتقد فيه عجزاً وقصورا فالتوكل عبارة عن اعتماد القلب على الوكيل وحده ثم قال فإذا عرفت التوكل فقس التوكل على الله تعالى عليه فإن ثبت في نفسك بكشف أو باعتقاد جازم أنه لا فاعل إلا الله تعالى كما سبق واعتقدت مع ذلك تمام العلم والقدرة على كفاية العباد ثم تمام العطف والعناية والرحمة بجملة العباد والآحاد وإنه ليس وراء منتهى قدرته ولا وراء منتهى علمه علم ولا وراء منتهى عنايته بك ورحمته لك عناية ورحمة اتكل لا محالة قلبك عليه وحده ولا يلتفت إلى غيره بوجه ولا إلى نفسك وحولك وقوتك فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله فإن كنت لا تجد هذه الحالة من نفسك فسببه أحد أمرين إما ضعف اليقين بإحدى هذه الخصال وإما ضعف القلب ومرضه باستيلاء الجبن عليه وانزعاجه بسبب الأوهام الغالبة عليه وأما الرضى فقال فيه: اعلم أن الرضى ثمرة من ثمار المحبة وهو هنا أعلى مقامات المقربين وحقيقته غامضة على الأكثرين فقد أنكر المنكرون تصور الرضا بما يخالف الهوى ثم قالوا إن أمكن الرضا بكل شيء لأنه فعل الله تعالى فينبغي أن يرضى بالكفر والمعاصي وانخدع به قوم فرأوا الرضا بالفجور والفسق وترك الاعتراض والانكار من باب التسليم لقضاء الله تعالى ولو انكشفت هذه الأسرار

الصفحة 597